كنا أمام الميناء السياحي في دبي، نطالع عشرات السياح الأجانب الذين يهبطون من سفينة سياحية ضخمة، وهم يطالعون بانبهار -وابتسامة الفرح والسعادة على محياهم - جمال أرض عربية وصلوا إليها في رحلة حول العديد من دول العالم. وهي تستقبلهم بالأهازيج واللوحات التراثية.
مرشد الشركة المنظمة للزيارة، قال لنا إن كل ركاب هذه السفينة من السياح هم من كبار السن، وإن الشاب فيهم عمره 63 عاما!!، وإنهم وأمثالهم يستمتعون بتقاعدهم بهكذا رحلات. زميل كان يقف إلى جواري علق على الفور، قائلا: أكيد ما عندهم هيئة المعاشات، لينفجر الجميع ضاحكين من التعليق الساخر المرير.
أستعيد هذا المشهد ونحن نتابع هذه الأيام إعلانات الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، وهي تدعو المتقاعدين وورثتهم لتحديث بياناتهم من خلال مراجعة مكاتب الهيئة في أبوظبي ودبي في موعد أقصاه العاشر من الشهر المقبل، وإلا واجهوا الحل الوحيد والأسلوب الذي تجيده الهيئة وهو إيقاف المعاشات، ويقدر عدد المهددين بوقف المعاشات بنحو 2500 متقاعد وأسرهم. في صورة تكشف الطريقة التي تتعامل بها الهيئة مع الفئات المستفيدة من خدماتها. لا أحد يختلف مع الهيئة حول إجراءاتها لضمان صرف المستحق لمن يستحق، إلا أن أداءها بحاجة إلى تطوير أكثر من تساؤل مدير عام الهيئة حول وجود هذا العدد الكبير من المتقاعدين الذين لم يتقدم بعضهم منذ يوليو الماضي لتجديد بياناته للهيئة التي تعاني من بيروقراطية وروتين شديدين، من جراء الأساس الذي قامت عليه اعتمادا على نظام مستورد من خليط من أكثر الأنظمة العربية البيروقراطية والروتينية تورما، بوجود ثلة من المستشارين يفسرون اللوائح والمراسيم بطريقة طلب “تفسير المفسر”. وينظرون للمتقاعد أو الراغب في الاستفادة من التقاعد المبكر، كما لو أنه يحاول الحصول على أموال من الدولة بصورة غير قانونية أو بالتلاعب والاحتيال.
ومن هنا كانت دعواتهم للمتقاعدين للحضور إلى مكاتب الهيئة بدلا من أن يتواجدوا بأنفسهم في مدن كالفجيرة ورأس الخيمة وغيرها من مدن الإمارات الشمالية.
مساء الخميس الماضي كان أفراد أسرة من الفجيرة يعتريهم القلق وهم يبحثون عن “شيبتهم” الذي خرج مع الغبش لتجديد بياناته، ولم يعد إلا في آخر الليل بعد ساعات طويلة من التيه بحثا عن مقر الهيئة في دبي. هل فكرت الهيئة مثلا، تسهيلا على “الشياب” تجديد بياناتهم خلال أيام معينة في فروع البنوك التي يتعاملون معها في أماكن وجودهم، بدلا من هذا المنطق المركزي؟!. وماذا لو كانت الهيئة العتيدة تعرفت على تجربة التقاعد السنغافورية أو الفنلندية أو غيرها من الأنظمة المتطورة، هل كان غالبية متقاعدينا سيعانون كحالهم الآن، من جراء تعقيدات أنظمة وضعها مستشارون وفدوا من بيئات تعاني ترهلا إداريا وبيروقراطية روتين لا يرى في المواطن إلا شخصا يريد الحصول على المال العام بصورة غير قانونية. ومع وجود عقليات كهذه لن تجد متقاعداً عندنا يهنأ بتقاعد مريح يجوب معه موانئ العالم كأولئك السياح الذين ذكرتهم، وكان الله في العون.


ali.alamodi@admedia.ae