عندما أراد الوالدان أن يتسوقا وأن يغيبا لمدة ساعة، كان بإمكانهما أن يصطحبا معهما الطفلين الصغيرين ويمنعا عنهما الخطر الداهم والذي كان سيطيح بهذين الصغيرين وينتهي بهما المطاف إلى نهاية سوداوية مأساوية مفجعة، كل ذلك لأن الإهمال ركب رأس الوالدين ولأن استسهال الأمور يؤتي دائماً بكوارث لا حد لها.
نقول بصراحة لهذا الشرطي الشجاع المتفاني، شكراً لك وألف شكر ونرفع لك التحية والتبجيل لأنك جازفت بحياتك منفرداً وقدمت أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية.. ولكن نقول لوالدي الطفلين ليست في كل مرة تسلم الجرة، فهذه المرة شاء القدر أن يحفظ ولديكما بمرور هذا الشرطي الأمين، ولكن في مرات قادمة قد لا تتم الصدفة، وفي رأيي أنه لابد من وعي الآباء ولابد من تحريك المشاعر الأبوية لأن الأبناء فلذات الأكباد وهم رصيد الدنيا وذخر الآخرة.
والأمانة الإنسانية والدينية تقتضي أن نحافظ عليهم وأن نحميهم من الأخطار وألا ندعهم في مهب الصدف وفي وجه المجهول.. والذي فعله والدا الطفلين بتركهما في السيارة لمدة ساعة والذهاب للتسوق كان أمراً مرعباً ويصيب الإنسان بالصدمة، ولا أدري كيف هانت على الوالدين روحي طفلين يتركان معلقين داخل سيارة مغلقة الأبواب، محكمة النوافذ وهما لم يتعد عمرهما الأربع سنوات والسنتين.
لا أدري كيف كانت مشاعر الأبوين وهما يريان الطفلين وقد أنقذا من موت محقق وخرجا من نافذة السيارة يحملان حروقهما ودموعهما وعتابهما للأبوين.. كما ويزفان الشكر الجزيل لشرطي المرور الذي أعطى كل ما لديه من مشاعر إنسانية رائعة في سبيل إخراج الطفلين من بين ألسنة النار التي كانت تمتد بشغف لالتهام جسدين بريئين يشع من عيونهما بريق الأمل والنظر إلى غد يحمل بشارات حياة هانئة.. للأسف فإن الأبوين كانا سيحطمان هذه الشذرات ويحبطان الأمل ويضحيان بالبريق ليحولاه إلى رماد حزن وأسى، ولكن بعد فوات الأوان لا ينفع الدمع ولا الحزن ولا تشفع كل آهات الندم.
الآباء مسؤولون عن هؤلاء الصغار، وإذا كانت الحاجة ماسة إلى التسوق في المولات فلا داعي لترك هؤلاء الصغار بين أيدي الشغالات أو داخل أقفاص السيارات، بل يجب احتضانهم أينما يذهبون وأينما يحلون لأنهم أمانة في رقابهم ويجب ألا تغدر الميزات الخارجية بمشاعر الآباء وأن يعود الجميع إلى رشده لأن الأبناء هم الأغلى والأثمن من كل مغريات الدنيا، ومن لا يستطيع أن يصمد أمام المثيرات فالأجدر به أن يتوقف عن هذا التناسل الذي لا يأتي إلا بالمصائب، فالحفاظ على الأطفال هو حفاظ على مكتسبات وطن وثروات بلد لابد من صونها ورعايتها وعدم السهو أو اللهو بعيداً عن هذا الاهتمام الأهم في حياتنا.
?

marafea@emi.ae