نعاني جميعاً انعدام الثقافة المجتمعية لدى بعض أفراد المجتمع، الذين غالباً ما تستهويهم المخالفة، بل يستمتعون بتحطيم وتجاوز القوانين، وضرب النظام عرض الحائط، وكأنّ هناك علاقة تنافرية بينهم وبين النظام والالتزام، أو أن هؤلاء الأشخاص يصابون بالحساسية إذا ما التزموا بالقواعد المرورية مثلاً، أو حرصوا على نظافة الأماكن العامة، أو حافظوا على مدينتهم جميلة، فالممنوع عندهم دائماً مرغوب، وهي حالة “مرضية” تكلف الدولة ملايين الدراهم، ليس لتقويم اعوجاج هذه الفئة، بل لمعالجة مخالفاته، وتصحيح أخطائه وتصرفاته اللامسؤولة.
ما جعلني أتطرق لهذا الموضوع، هو كم الصور السيئة، التي أشاهدها يومياً، من ممارسات لا يختلف اثنان على خطئها، وضررها، وخطورتها، ولكن مع ذلك تجدنا نمارسها ونكررها بكل استهتار وسذاجة وبرود، ومن دون أدنى شعور بالمسؤولية، ولا تقتصر هذه المخالفات على فئة أو جنس، فـ”الكل في الهوا سوا”.
فأن تكون جالساً بحديقة غنّاء، تستمتع بالنسيم العليل، والجو الشتوي الرائع، وحولك أطفالك، لا تستغرب أن تجد حفنة من الأطفال كـ”الجن”، لايكلّون ولا يملّون، ويزعجونك حتى وأنت بعيد عنهم، ولا يسلم من شرهم أحد، حتى الأزهار والأشجار يقطعونها، يسوّونها بالأرض، وكأنّ جراراً أو “سكس ويل” مرّ عليها لتوّه، وبعد ذلك تستقبل الأم طفلها “الجنّي” بالحضن وتسقيه “جالوناً” من العصير لتعيد شحنه، من دون أن تنهره أو تنهاه عن الجرم، وإذا فتحت فمك، وتفوهت بكلمة، تقوم عليك القيامة، وتتهم بأنك لا تملك ذرة رحمة، تجاه هذا الطفل “العفريت”، فما قام به مجرد “لعب عيال”!
ترى الواحد منهم واقفاً “يزط” من “الشاورما” والسندويتشات وكأنه في بوفيه مفتوح، وليس جالساً في سيارة، وبعد تلك الوجبة، يلملم مخلفاته ويرميها بالشارع، وإذا تكلمت قال لك “هو شارع أبوك”!
وآخر قد يحرق أعصابك، وهو فرحان بسيارته، وهو يقودها بسرعة دون الأربعين، ويسير بأقصى اليسار، والتليفون ملازم أذنيه، وإذا طفرت منه، وتجاوزته من اليمين، وقلت له انتبه للشارع، و”لسايد” السيارات اللي وراك، وأن يسكّر التليفون، قال لك: “لا تفكر عمرك تدفع الفاتورة عني”!!
شخص يقود سيارة، رقمها أغلى منها، تراه إذا ما أراد صفّها لا يحلو له إلا الوقوف في الأماكن الممنوعة، حتى وإن كانت هناك مواقف نظامية خالية، وإذا حدثته قال لك: تركت الموقف لك عشان توقف سيارتك فيه!!
وفئة من الناس لا تستحي، ولا تخجل من جرمها بحق أطفالها والمجتمع، وما اقترفته من جريمة بشعة، تراهم يزايدون عليك ويهدّدون، ويتوعدّون، من دون حياء مما اقترفوه من جرم و”سوداوية”، بدل أن يعودوا إلى رشدهم ومراجعة إهمالهم، فكيف يكون شعور من يقتل فلذة كبده بيديه! ولكن هؤلاء يبدو أنهم ممن ينطبق عليهم المثل القائل “اللي اختشوا ماتوا”.



m.eisa@alittihad.ae