قد يفهم أن التحدث بالإنجليزية أو أي لغة أخرى ضرورة، بحيث لا يمكن تجاهل الآخرين وثقافتهم، خاصة أننا لا نستطيع الخروج من تبعيتنا لهم، من «معاطفهم» وسراويلهم «جينزاتهم» العملية وقبعاتهم وحتى بطاطتهم «شيبسهم»، و»شوكولاتتهم»، ومشروباتهم الغازيّة والغازية بطوننا، على الرغم من أضرارها الصحية، وفراخهم شبه البلاستيكية، وإلى آخر القائمة الاستهلاكية التي أدمنّا عليها، ونظل مجرد مستهلكين شرهين لا يعرفون حداً لإشباع رغباتهم. ولكن ما لا يمكن فهمه أن تصبح لغة أجنبية، مهما كانت أهميتها وحاجتنا إليها، لغة تخاطب بيننا، كنوع من «الفشخرة» المجتمعية أحياناً، أو المباهاة الثقافية أحياناً أخرى، بحيث يطعّم المتحدث حديثه ببعض الألفاظ أو المصطلحات الإنجليزية أو غيرها، على الرغم من أن الحضور كلهم من أبناء الديرة «الفريج» ليعطي انطباعاً لدى مخاطبيه أو سامعيه، بأنه واسع الاطلاع والمعرفة!.. والأدهى والأمرّ أن ذلك استشرى في بيوتاتنا وأسرنا، فلا يكفي أبناءنا وأطفالنا تغريباً من خدمنا، بل نزيد نحن الطين بلّة، بأن نجعل اللغة الأجنبية لغة رسمية في بيوتنا هذه، ثم نطالب أبناءنا بالحفاظ على الهوية؟ أليست اللغة من مقومات الهوية؟ ماذا يبقى من هويتنا إن ضاعت لغتنا؟ إن لم يعرف أبناؤنا عظماءنا وقادتنا وروادنا وأدباءنا وشعراءنا، ومثقفينا ومبدعينا ورياضيينا من الرجال ومن النساء على حد سواء فبمن سيقتدون؟.. نعم من المؤسف أننا نلغي هويتنا بأنفسنا ونهدم شخصيتنا بمعاولنا، فحين نتجاهل لغتنا ونفتتن بالإنجليزية وغيرها، نغفل أننا نفتح الباب في الوقت نفسه على مصراعيه لولوج ثقافات وعادات غريبة على مجتمعنا، وكثيراً ما تكون ملأى بالسم، وحين نلغي لغتنا نلغي ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا. وقفة قصيرة في مركز تجاري تعطينا فكرة عما وصل إليه أبناؤنا من تسطيح لأفكارهم وتسفيه لعقولهم من خلال سموم ثقافات دخيلة عن طريق لغات، يفترض أن تكون وسيلة إغناء لأفكار وثقافة أبنائنا، وقد تحولت إلى مداخل لإلغاء هويتنا، وهوية أبنائنا، ابتداء من السراويل التي لا تعرف إن كانت ذكورية أو أنثوية أو للجنس الثالث، وليس انتهاء بقصّات الشعر وتسريحاته الشوكية أو الشبكية والألوان القزحية. منذ أيام طرحت الأستاذة عائشة سلطان في أبجدياتها قضية مهمة جداً وهي أننا نهدم هويتنا بأيدينا، نعم هذا صحيح، فمن يضرب على أيدينا في اجتماعاتنا ومؤتمراتنا الخاصة وجلسات العمل لنرطن بالإنجليزية أو غيرها؟ ولكن يبدو أن لغتنا قد هانت علينا، فأصبحت مهانة يتيمة على يد أبنائها! للأسف أننا نملك أهم أسس قيام الأمم وهي اللغة الواحدة، ونفرط فيها، بل لا نكتفي بالتفريط، بل نهوي بمعاولنا لهدمها، بعلم منا، أو بجهل أقبح من ذنب! نبيلة الخطيب: إنَّ اللسـانَ الذي أجَّــتْ مناهِلُــهُ لا يســتبين لــه نصـح وإن صحّـا كأنــــه كُثُــبٌ أودعْتهــــا غَدَقــا فإن هَفَــوتَ لهيفـاًِِ صـادياً شـحّا ديوانُنـا الشِّعْرُ كم ضاجَتْ مَضَارِبُهُ وضُمِّخَتْ فَزَكَتْ مِنْ ضَوْعها نَضْحا قِوامُهُ الضـادُ والأضــدادُ تَغْبطُــهُ هَيهاتَ تَرْقاهُ، جَزْلاً مُعجِبَاً فَصْحا كأنهُ البحـرُ يَخشْى المـرءُ غَضْبَتَــهُ وإنْ أــنابَ يَجُــبْ أنــواءَهُ سـَبْحا هذا هو الشِّـعرُ صهـواتٌ مُطَهَّمـةٌ مَرْحَى لخيَّالهـا إنْ أَقْبلـتْ مَرْحــى لا يَضْمَحِلُّ وقــد فاضَـتْ منابِعُــهُ نضّاخَةَ الحُسْنِ لا تنضو ولا تَضْحى اللــهُ أكبــرُ حتـى حِـينَ أَعْجَزَهـــا ربُّ البيانِ فكان الوحيُ بالفُصْـحى نبيلة طالب محمود الخطيب»- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورئيسة الأديبات الإسلاميات في المكتب الإقليمي/الأردن»