في العديد من المسلسلات الخليجية، تم تشكيل صورة نمطية للعائلة الخليجية، وللمرأة والرجل من خلال منظومة العلاقات المتشابكة داخل حكايات هذه المسلسلات، لكن العنف، بجميع أشكاله، مثل على الدوام علامة بارزة في معظم الأحوال، فالعنف هو طابع العلاقة بين الرجل وزوجته، والشاب وأخته، والأب وبناته، والأخوة بعضهم البعض، دائماً كان العنف وكانت القسوة والمؤامرة والكره هو الطابع والبطل الرئيس الحاضر في كل العلاقات، ومعظم المشاهد، ماذا يقدم ذلك في نهاية الأمر؟ وكيف قدمتنا هذه الأعمال لمحيطنا العربي، ولأجيالنا الصغيرة ولأنفسنا؟ يقولون لك، دفاعاً عن هذه الأعمال، إن ما يعرض صحيح، ويحدث أكثر منه في الحياة الواقعية، ويقولون لماذا تدافعون عن أنماط علاقات بشرية، من العادي والطبيعي، أن توجد فيها القسوة، وسط حياة قاسية تجد في العنف متنفساً للتخفيف منه بتفريغه في الآخر (الزوجة ، البنات، الأخت ...)؟ ونقول نحن لا ندعي أننا نعيش في مدينة الملائكة، لكننا نعلم تماماً أننا لا نعيش في مجتمعات عنف بحت. نعم .. الفقر والقسوة، بكل ما يمثلانه من ضغوطات نفسية وذهنية وجسدية، يشكلان سبباً رئيسياً للعنف ضد الشريك وضد المجتمع المحيط واللصيق، لكن هؤلاء الناس، الذين عاشوا قسوة الحياة، كانوا إلى حد كبير محصنين بالكثير من الدفاعات النفسية والحصانات الاجتماعية والدينية والأخلاقية، التي كانت ترى في ضرب الرجل لزوجته أمراً أقرب للعار، فهو مما يتنافى مع أخلاق الرجولة والدين، خاصة أن مجتمعاتنا متدينة بالفطرة ومحافظة بشكل لافت رغم كل بهارج العولمة والحداثة. ما نراه على الشاشة هو تجارة بالمعنى الدقيق للكلمة، تجارة تحتاج للدعاية والإثارة والترويج، وهذه المشاهد التي تلسع العلاقات و”تبهرها” بكثير من الضرب والشتم والقتل، لا تعدو إلا أن تكون عملية إعادة إنتاج لعلاقاتنا الاجتماعية بطبعة مربحة وسيئة جداً. نعم لم يكن المجتمع مثالياً، وكان هناك أزواج عنيفون (جسدياً ولفظياً) ضد زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، لكن ذلك لم يتحول يوماً إلى ظاهرة، كما لم يكن طابع حياة ثابت، والقول إننا كنا نعيش علاقات منحرفة وعنيفة ولا أخلاقية، كالتي تعرضها هذه المسلسلات، هو تجن واضح وحرف للحقيقية بشكل يستدعي المساءلة، لأنه “ينمطنا” أولاً، بمعنى، أنه يصورنا بهذا الشكل الذي تحول إلى سمة ثابتة ملازمة للشخصية الخليجية، التي ارتسمت في الأذهان بأنها عنيفة وحادة الطباع ومتآمرة وبلا أخلاق!! الذين يكتبون هذه الأعمال ويتحججون بالواقع يستخدمون الواقع بشكل خادع وغير منصف ودقيق، والذين يدعون الواقعية ووضع الأصبع على الجرح يلعبون دور الطبيب بشكل غير احترافي وغير مدروس، فهم لا يعرفون أو لا يعون مدى خطورة الصورة النمطية، التي يكرسونها (خاصة حول المرأة، التي تقع في منطقة بين الاستسلام الكامل كما تمثله حياة الفهد، أو الشراسة واللؤم كما تمثله هدى الخطيب وغيرها). لقد تربينا في بيوت وأحياء وأسر وبين أهل وجيران كانوا متفاوتين تعليمياً واجتماعياً ومادياً، ومع ذلك لم تحتفظ مخيلتنا يوماً برجل رفع يده على زوجته أو ابنته، إلا نادراً جداً، ولأسباب موضوعية، لأن ضرب المرأة كان سلوكاً معيباً، وينال من مروءة أي رجل يصف نفسه بأنه رجل حسب تعبير والدتي. ayya-222@hotmail.com