لا أحد يشحن البغضاء إلا الذين لم يعيشوا في مجتمعات متنوعة ومتعددة القيم والنحل ذات الأثنيات العرقية والثقافات المختلفة، لذا من السهل للمقيمين في المجتمعات المغلقة وذات الصوت الثقافي الواحد أن يرموا الآخرين المغايرين بالدونية وبالكفر وبالهمجية حتى، ويتشددون في الأمور فيفرضون عليهم وصاياهم، ويبيحون لأنفسهم انتهاك حقوقهم، وسلب مقدراتهم، ويغالون في الأمر حتى يطردوهم من جنة الله، ولا يتوانون أن يزهقوا أروحهم باعتبارهم نجسين، وحلفاء للشيطان، اليوم من ينادي بالعدائية للمجتمعات الغربية، هم الناس الذين لم يعرفوها، ولم يجربوا العيش فيها والتعامل من خلالها، ومن يصف المجتمعات الشرقية بالعنف والقذارة والتخلف، هم أولئك الذين لم يعرفوا خصوصيات المجتمع الشرقي، ولم يلامسوا إلا ما ظهر على السطح، ومن خلال انطباعات ساذجة سمعوها من الغير، إن منطق الكراهية والعداء واحتقار الآخر وامتهان ثقافته هو من أخطر الأمور التي تشعل الحروب، والتي يمكن أن تخلفها الحروب، أنه بالضبط منطق محاكم التفتيش في العصور الغابرة، ومنطق التشدد والعنف والإرهاب في العصر الحديث. إن ما يتعرض له الأخوة العرب المسيحيون في العراق من تهديدات تطالهم، ومحاولة زجهم في أتون الخلافات المتشابكة على الساحة العراقية، من خلال تفجير الكنيسة، ومن خلال منعهم من الاحتفال بعيدهم ومن خلال الحماية الناقصة من قبل الحكومة لتأمين أمنهم، ومن خلال الرسائل المتلاحقة من الجماعات الدينية للبراءة منهم ومن إراقة دمهم، ودعوات التهجير من أرضهم، وما تشهده أرض المحروسة مصر من شد وتجاذب، قد يفضي للعنف أحياناً مرده أمر واحد كسر الوحدة الوطنية والتلاحم المجتمعي، وهو في حقيقة الأمر نخر في جدار الوطن لكي ينهار، وأول المعاول تفرقة المواطنين وتصنيفهم حسب الملل والنحل الدينية، وإبعاد الوطن كمعيار حقيقي للمواطنة والشرف ومعنى التسامح. يظهر هذا الأمر جلياً وواضحاً فيما يدور في السودان من أحداث جسام وقتل وإبادات جماعية وأمراض ومجاعات ودعوات الانفصال، وكسر الوحدة الوطنية، وتقسيم الدولة إلى دويلات وإنشاء جمهورية الشمال وجمهورية الجنوب التي أصبحت اليوم مسألة وقت ليس إلا، فالجنوب ذاهب بدولته محتمي بمسيحيته وأديانه وثقافاته الأخرى، والشمال معد دولته وفارض أحكامه وحكومته “المسلمة” ومتبرئ من السوداني الآخر المغاير والمختلف، ولو كان الأمر على حساب الوطن والوطنية. إن ما تقوم به بعض الحكومات وفي أوقات مختلفة مستغلة الظروف سواء التي كانت تجري لصالحها أو المعاكسة لها للعب على وتر التفرقة وإعادة تعريف المواطنة والعبث بالهوية أمر لا يخفى على المتابعين والمراقبين، ويلقى للأسف حماسة وتعصباً وهوى في النفوس الضعيفة صاحبة المصلحة، في حين يلقى للأسف أيضاً تخاذلاً وعدم اكتراث وتهاوناً في نفوس الوطنيين المغيبين. amood8@yahoo.com