لماذا نخاف الطبيب ؟ حيثما ذكر اليوم الطبيب حلّ الخوف، على الرغم من أنه سبب من أسباب شفائنا؟ طالما شاع على الألسنة لقب «الحكيم» على الطبيب، وكان الآباء والأجداد، يسمون الطبيب حكيماً فيقال للطبيب الحكيم، وفي ذلك حكمة منهم لما يجب أن يتوافر في الطبيب من الحكمة، في معالجة المرضى، فمهما أوتي الطبيب من العلم لن يكون علمه هذا نافعاً إن لم يقترن بالحكمة، وقد شاعت لفظة «الحكيم» في إطلاقها على الطبيب في التراث العربي، والتراث اليوناني، ومن المعروف عن الأطباء أو الحكماء العرب من الرازي وابن سينا والزهراوي وغيرهم أنهم كانوا علماء في الرياضيات والفلك والأدب والطب والنحو في الوقت ذاته ولهم مؤلفات ومصنفات ضخمة في هذه العلوم كلها. لحق وجع شديد في معدة غلام بلا سبب يعرفه، فكانت تضرب عليه أكثر الأوقات ضرباً عظيماً حتى يكاد يتلف، وقلّ أكله، ونحل جسمه، فذهب في الأمصار يبحث عن دواء، فعولج بكل شيء، فلم ينجع فيه، ورد إلى بيته وقد يئس منه، فجاز أحد الأطباء فعرف حاله، فقال للعليل: اشرح لي حالك من زمن الصحة، فشرح إلى أن قال: دخلت بستاناً فكان في بيت البقر رمّان كثير للبيع، فأكلت منه كثيراً. قال: كيف كنت تأكله، قال: كنت أعضّ رأس الرمّانة بفمي، وأرمي به وأكسرها قطعاً وآكل، فقال الطبيب: غداً أعالجك بإذن الله تعالى، فلما كان الغد جاء بقدر أسفيداج «رماد الرصاص» قد طبخها من لحم جروٍ سمين، فقال للعليل: كل هذا. قال العليل: ماهو؟ قال: إذا أكلت عرّفتك، فأكل العليل، فقال له: امتلئ منه، فامتلأ، ثم قال له: أتدري أي شيء أكلت؟ قال: لا. قال: لحم كلب، فاندفع يقذف، فتأمل القذف إلى أن طرح العليل شيئاً أسود كالنواة تحرك، فأخذه الطبيب وقال: ارفع رأسك، فقد برأت، فرفع رأسه فسقاه شيئاً يقطع الغثيان، وصب على وجهه ماء بارداً، ثم أراه الذي وقع فإذا هو قراداً (القُرادُ دُوَيبّة تَعَضّ الإبل والحيوانات)، فقال: إن الموضع الذي كان فيه الرمّان كان فيه قُردان»حشرات» من البقر، وأنه حصلت منها واحدة في رأس إحدى الرمانات التي اقتلعت رؤوسها بفيك، فنزل القُرد إلى حلقك وعلق بمعدتك يمتصها، وعلمت أن القُراد تهش إلى لحم الكلب، فإن لم يصح الظن لم يضرك ما أكلت، فصحّ، فلا تدخل فمك شيئاً لا تدري ما فيه. وقيل إن أعرابياً أقبل يريد رجلاً وبين يدي الرجل طبق تين، فلما أبصر الأعرابي غطى التين بكسائه، والأعرابي يلاحظه، فجلس بين يديه، فقال له الرجل: هل تحسن من القرآن شيئاً؟ قال: نعم. قال: فاقرأ، فقرأ: والزيتون، وطُور سِينين، قال الرجل: فأين التين؟ قال: التين تحت كسائك! محمد الماغوط: طبيب العائلة يقول لي: كُلْ هذا ولا تأكلْ ذاك وكلّ شيء/ سيكون على ما يرام/ والطبيب النفسي يقول لي: نَمْ الساعة كذا واستيقظ الساعة/ كذا ونصف حبّة من هذا مع كل وجبة/ والطبيب المناضل: مظاهرة كل يوم، مسيرة كل أسبوع/ مهرجان كل شهر، وبعد ذلك لن يعكر صفوك شيء/ طبيب الشعر يقول لي: كُلْ واشرَبْ اعطس وتجشأ ونَم/ واستيقظ وانس وتذكر واسهر واركض واقفز وهَرْوِل واخطُبْ وصفّقْ وصفّر كما تريد وأنّى تشاء/ مثل هذا الطبيب سأرشحه لوزارة الصحة ولمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ولمنظمة الصحة العالمية ولكن ما يقض مضجعي وينغص علي فرحتي هو مصير تلك الأشجار التي كانت أشجاري/ والرياح التي كانت رياحي/ والبحار التي كانت بحاري/ والرفاق الذين كانوا رفاقي/ والأمة التي كانت أمتي/ فرغم خيراتها الوفيرة ومياهها العذبة/ ومناخها المعتدل وآثارها الخالدة تتنقل من مرض إلى مرض حتى /وصلت إلى الحال التي يعرفها الجميع. ? بالفصيح : هذه الثورة المعرفية والتقنية في الطب أشدّ ما تحتاج إليه هو الحكمة Esmaiel.Hasan@admedia.ae