الاعتقاد بأن قرار الطرف الآخر الذي نتعامل معه دائماً قابل للتغيير وليس قاطعا، أو قابلاً لأن تضاف إليه استثناءات، أو أن موقف هذا الآخر ليس دقيقا، خلق ثقافة راسخة لنمط سلوك شائع في مجتمعاتنا وهو ما يعرف بالتسويف أو التأجيل أو “التقاعس” بمعنى آخر. يتم التعبير عنه بشكل يومي عن دراية أو عدم دراية وبطرق عفوية ما يخلق لنا مشاكل عدة تكلف المجتمع والحكومة عبئا ماديا ثقيلا، فضلا عن التأخير في تنفيذ الخطط الإستراتيجية التي تتطلع الحكومات من خلالها للرقي بمجتمعاتها وتقديم الخدمات لها وفق أفضل التصنيفات العالمية. ولا تختلف كثيرا إذا كان هذا الطرف الآخر شخص أو مؤسسة حيث ثقافة التسويف من قبل المجتمع أوجدتها تلك الممارسات غير المدروسة أحيانا من بعض الجهات حيث تصدر قرارات بحسن نية. ثم يتم التراجع عنها أو التعديل عليها لأنها لم تأخذ حقها من الدراسة أو لأسباب لم يقدرها المسؤول أو لوجود ضبابية في الرؤية. لعل ثقافة التسويف تظهر جلية وواضحة لدى تعاملنا مع القوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة عن الجهات الرسمية، أو مع من ينفذون الإجراءات، للاعتقاد في كثير من الأحيان أنها ليست نهائية أو قاطعة، وأن ثمة إمكانية دائماً للاستثناء، أو لتغيير القرارات لتفهم وإدراك المسؤول لحقائق جديدة على الأرض لم تؤخذ في الحسبان أو نتيجة الضغط من قبل الجمهور على الجهة المعنية عبر أجهزة الإعلام أو غيرها من الوسائل للاعتقاد بأن هذه القرارات تفتقد في بعض جوانبها للموضوعية، ويمكن أن يكون للعاطفة دور في تغييرها. وقد يكون لهذه الاعتقادات ما يبررها أحياناً، فثقافة التسويف يتسبب بها في كثير من الأحيان طرفا العلاقة، وليس واحداً منهما فحسب، ولو كانت الثقة والمصداقية والوضوح قائمة ومتوافرة، لاكتفى المسؤول بإصدار القرار والجمهور بالتنفيذ دون أي تأخير. الأمثلة عديدة على تلك التسويفات التي يمارسها الجمهور في بكثير من الجهات الخدمية الحيوية ذات الصلة اليومية المباشرة بالجمهور ما يربك تلك الجهات المسؤولة في إيجاد البدائل المعقولة رغبة في تحقيق الأهداف الطموحة التي تتطلع إليها ضمن استراتيجياتها التي عكفت سنوات للإعداد لها. أما إذا كان الآخر شخص فحدث ولا حرج، ويا ويل الشجي من الخلي تكلف أو تطلب من احدهم شيئا يرد عليك “فالك طيب”، “إن شاء الله”، “حاضرين” ثم لا ترى شيئا على الأرض وعندما تذكره بالموضوع لا يغلب كثيرا في إيجاد العذر الذي دائما “أقبح من ذنب” ويمنحك موعدا آخر. ويمر كالذي سبقه. ولن أطيل. هذا الطرح يثير العديد من التساؤلات هل يحدث ذلك في الدول المتقدمة بالقطع لا! فالتعامل أبسط وأسهل وأكثر احتراماً لعقلية الفرد وحريته، فهم يتبعون كل وسائل لإقناعك بأن ما تقدم عليه لصالحك ولا مكان على الصعيد الشخصي للمجاملات والقانون هو الفيصل. jameelrafee@admedia.ae