من الأشياء الجميلة والمميزة للزائر إلى قطر غير النهضة العمرانية المتسارعة، وغير التخطيط الحديث أن تحظى بزيارة سوقها القديم والذي أعيد ترميمه وتجديده محافظاً على شكله القديم من حيث البناء والأدوات المستعملة، وحتى ببضائعه وساحاته الرحبة سوق “واجف” الشعبي الذي يعد رئة المدينة النابض وخاصة ما بعد العصر وحتى منتصف الليل حيث يؤمه الزائرون والسواح والمقيمون والقطريون ليعطوه صبغة ونكهة خاصة، وفي يومي الخميس والجمعة تظل ساحته الرئيسة عامرة بأداء الفرق الشعبية برقصاتها المختلفة وأدوارها الغنائية.
سوق “واجف” كان سمة تميز معظم مدن وعواصم الخليج، لكن الزحف العمراني الاسمنتي والتخطيط في توسع المدن أزاحه من مكانه الاستراتيجي، فتخلت عنه كثير من هذه المدن مقابل المراكز التجارية، ومقابل البناء الزجاجي، قليل من حافظ عليه وعلى شكله ومكانه، مثلما فعلت قطر كإرث وتراث من زمن جميل قد مضى.
اليوم هو متنفس لأهل البلد والمقيمين وقبلة يؤمها الزائرون، فغدا على خريطة أي زائر أو عابر لقطر، حيث يجد متعة الممشى، وتنوع المطاعم المختلفة، منها الشعبية المحلية التي تقدم فيها نساء “أهل الدار” مأكولاتهن في مشاريعهن الصغيرة والتي تلقى رواجاً عند الفئات الزائرة، إضافة إلى مطاعم قديمة قدم السوق والتي ما زالت بأسمائها القديمة تقدم أكلات الشعوب المختلفة، وهناك إلى جانبها المقاهي الكثيرة، منها المحلي والعربي وحتى الغربي، لكن كل تلك الأشياء يميزها طابع واحد وهو الشعبي والبسيط، في حين تحتل بعض الزوايا معارض للفن التشكيلي والصور ودكاكين العاديات والتحف والمشغولات اليدوية.
وأنت تتجول في أنحاء السوق ستجد الجدران المبنية من الطين والجص والمصبوغة بالنورة، تزين أسقفه المعاريض والخشب القديم من الجندل، بشبابيكه المزينة ومرازيبه التي تسلّك مياه الأمطار إن هطلت، والأبواب مثل أبواب الأسواق في الأربعينيات والخمسينيات بذات الأقفال البسيطة والتي تفتح على بضائع عادة ما تأتي بها البواخر وسفن الخشب من البنادر، روائح البهارات وأشياء كثيرة تدل على حقبة من الزمن لأسواق كانت عامرة بدفء الناس وتقاربهم ولقاءاتهم اليومية.
حتى فندق السوق القديم ما زال في مكانه يحمل لافتة غاية في البساطة وبالكاد تظهر اسم فندق “بسم الله” ومركز الشرطة القديم بملابسهم القديمة، مطعم بندر عدن، والمسجد المجاور عمّر وجمّل واتخذت مئذنته الملوية الشبيهة بمسجد سامراء لتكون شاهداً على المكان ودالة عليه، والأهم من كل هذا أن الإنسان متواجد ومتواصل في دكاكين ربما توارثت عبر أجيال، حتى حمّال السوق الشعبي بعربته الصغيرة وملابسه المعروفة سيظل يحاذيك في أزقته الضيقة، وبعض البائعين من تجار الأمس ما برحوا المكان، وكأنهم يشيخون داخل دكاكين عرفت صباهم وتعبهم ورزقهم الحلال.. سوق “واجف” من الأشياء الكثيرة والجميلة التي رأيتها في قطر ويشكرون عليها.. وأقولها بفرح!


amood8@yahoo.com