يعكس «أدب الأقليات» مًسمَّى الصراع السياسي وتاليه الاجتماعي إشارة إلى ضرورة العيش المًجزي لما تمتلكه كل أقلية من وفرة تاريخية، تم دحرها على يد ما يَعلن عن تسميته لاحقاًَ، بسبب تلك «الأغلبية»، وليس هناك بالطبع ما يمكن تسميته «أدب الأغلبية»، فسفور أي «أغلبية» نابعة من طمأنينة كتلتها الضخمة، ويمكن القول أيضاً «كتلتها السمينة»، نسبةً إلى شخص يأكل كثيراً ويعاني من أمراض لا حصر لها نتيجة سمنته، والتي تأخذ في التزايد نتيجة لعمى الإقرار بالأحقية النافذة، تبدياً لحياته على حياة أي هامش، إظهاراً لمركزيةٍ متفوقة حسب ظنه. لذلك فإن الأقليات حين تسعى إلى نهضتها، تًعبِّر عن نفسها مُشتقَّة وصانعة من أدق تفاصيل حياتها رمزاً طقوسياً وجمالياً فارقاً عن اللفظ والدلالة، وفي الوقت نفسه حالماً ومتلمساً لفداحة الندرة والإنقراض المزمع حصوله مع مرور الوقت. بينما الأغلبية تعتمد على الترميز المتحقق من خلال وفرة واستتباب أمنها، غير رافعة لروحها سوى التنصيب المستمر لوضوح شروق شمسها المُزمعة. حتى أن الأقليات المظلومة من نوعها، داخل تصارعات الند للند تحت مظلة ثقافة واحدة، لا تعدو أن تكون هي قمة الحد من مناداة أي أقلية بحقوقها. وما هو هذا الحق الذي تريده فئة أقلية لنفسها؟ وما هو هذا السعي لفئة الأغلبية الغالبة، لتنال حقوقها على حساب دونية الآخر؟. هذان السؤالان هنا، هما إطلاق «جمالي» صِرف، لا يتحرران الوصول إلى إجابة. فهكذا سيمكننا فهم المفارقات النفسية المختلفة بين نَصِّ مُنتج لتمثيل قِلَّة، وآخر لتمثيل كثرة، حتى يمكننا الجلوس ساعتها لتأمل ذِكْر كلمة هي نفسها في النصين، ومشاهدة الفوارق الدلالية بمحمول دوافع انتاجها، كقدرة على التعبير، كما كقدرة على تحديد المصير. القليل انتحاري، الكثير مُتسلط، أو كما يقول «رولان بارت» «الحليب مُضَمّد، والنبيذ جارح، وعلى الشارب والمتذوق سيان، فهم الحياة –كلما لزم الأمر- من هذه النقطة على أنها ليست بهذه الحِدَّة سوى كونها شِرهة لتأسيس معانٍ مختلفة دائماً، لذلك فلغة القِلَّة منا -أياً كان نوع القِلة تلك، عرقاً أو تفكيراً مختلفاً– هي إذعان إيجابي لمقتضيات التعبير حد أقصاه، حتى أننا نجد في حياة الفلسفة نشيطة ومُنجبة داخل «أدب الأقليات»، بسبب تمركزها على هدفٍ مًحدد لتقييم الصراع بين الموجود والغائب، بين الشراكة مع اللغة باعتبارها عدوا جائرا، والشراكة معها باعتبار عدم نشوئها بعد، فكل أقلية أولاً وأخيراً هي الإنسان قبل أن تتطور وظائف النُطق لديه، عائشاً على الإشارة الصوتية والرسم، مستمتعاً بين اليقظة والنوم بالبحث فيما يجده من جديدٍ توسيعاً لمساحة الرؤيا. allmirrorsarenomads@yahoo.com