من منّا لا يحنّ لأيام الشباب، بحلاوتها التي لا تنسى مع مرور الأيام، تظل ملازمة لنا، نتذكرها ونستحضرها، كلما هفهفت من حولنا نسائم الحُب، مستذكرين حبّاً مضى وطيف حبيب، أو حبيبة، وأياماً حلوة خلت، ولكن الشباب ها قد ولّى هارباً بسرعة البرق، خاطفاً زهرة العمر، تاركاً صاحبه محدودب الظهر، وقد غزا شعره الشيب، إن بقي له شعر، يجتر ذكريات الشباب، فيروي مغامراته الشبابية، وكيف كان «قيس» زمانه. الشباب لغة من شبّ: الشين والباء أصل واحد يدل على نَمَاء الشيء، وقوّته في حرارةٍ تعتريه، ومن ذلك شَبَبْتُ النّارَ أَشُبُّها شَبّاً وشُبُوباً. وهو مصدر شُبَّت. وكذلك شَبَبْتُ الحرب، إذا أوقدتَها، فالأصل هذا. ثم اشتقَّ منه الشَّباب، الذي هو خلاف الشَّيْب. يقال: شَبَّ الغلامُ شَبِيباً وشَباباً، وأشَبَّ الله قَرْنَهُ والشّبَاب أيضاً: جمع شابّ، وذلك هو النّماء والزيادة بقوّة جسمه وحرارته. ثم يقال فَرقاً: شَبَّ الفرسُ شِباباً، بكسر الشين، وذلك إذا نَشط ورفَع يديه جميعاً. والشَّبيبة: الشَّباب. ومن الباب: الشَّبَبُ: الفتيُّ من بقر الوحش. وقد ذكر الشعراء الشباب وطوّلوا في أوصافه ونعتوه فأحسنوا نعته وبكوا عليه فأكثروا البكاء، إلاّ أنهم قل أن يذكروه إلاّ عند فقده أو يبكوا عليه إلاّ بعد فراقه ووقت التظلم من الشيب، والأصل في جميع ذلك حب الحياة والرغبة في السلامة. يقول بشار بن برد: أفنيت عمـري وتقــضى الشــباب بيْن الْحُمــــيَّا والْجـــوارِي الأَوَابْ فالآنَ شــــــفَّعْتُ إِمــام الْهُـــدَى ورُبَّمــا طِبْـــتُ لِحُـــبٍّ وطـــابْ صحــــوْتُ إِلاَّ أنَّ ذِكْرَ الْهَــــــــوى يدعـــو إلى الشـوق فأنسـى مآب للـــــه دري لا أرى عاشــــــــــقـاً إلا جرى دمعـــي وطــال انتحاب كَأنَّ قلْبــــي بِبَقَايــــا الْهَـــــــوَى معلـــــقٌ بيــن خـــوافي عقــابْ يا حبَّـــذا الكأس وحــــور الدمــى أزْمانَ ألْهُــــو والْهـــوى لاَيُعــابْ يا صَـــاح بَلاَّنِي طِــــلاَبُ الْهَــوَى وصرفُ إبريقٍ عليـــــه النقـــابْ يومـــــا نعــــيمٍ أخلقــــا جدتـــي ولمة ً مثـــــل جنـــاح الغــــرابْ واللَّــــه ما لاَقَيْـــــــتُ مِثْليْهِمـــا في عامــر الأرض ولا في الخــــرابْ لهـفي على يومــي بـــذي باســــمٍ ومجْلِــــسٍ بيْن خلِيـــج وغـــابْ يا مجلســـــاً أكْرِمْ بـــه مَجْلِســــاً حُفَّ بِرَيْحــَان وعيــشٍ عَجَـــابْ ثم غدونــــــا وغـــــــدا ذاهبـــــاً وكُلُّ عيْــــشٍ مُــؤْذِنٌ بِالذَهــَابْ أبْصَرْتُ رُشْـــــدِي وَهَجَرْتُ الْمُنَـى وَرُبَّمَــــــا ذَلَّـــتْ لَهُنَّ الرِّقَــــابْ الفعـــــل أولى بثنـــــاء الفتـــــى ما جـــــاءه من خطــلٍ أو صوابْ ويقول أبو حية النميري: زمان الصبـــــا ليـــتَ أيامنـــــــا رجعنَ لنا الصالحـــاتِ القصــارا زمانٌ علـــيَّ غــــرابٌ غــــــــدافٌ فطيّــــرهُ الدهـــرُ عـــني فطـــارا فلا يُبعد اللــــــهُ ذاك الغــــرابَ وإن هـــو لــــم يبــــقَ إلاّ ادِّكارا كأنَّ الشـــــــــــــبابَ ولذاتــــــهِ وريــقَ الصبــــا كانَ ثوباً مُعـــارا ويقول ابن نباتة السعدي: لا يبعدن زمن البطالـــة والصبـــا والعيشُ في ظلِّ الزمـــانِ الناضــرِِ أيامَ تُغفــــرُ للشـــــباب ذنوبــــهُ والشــــيبُ ليـسَ لذنبهِ من غافرِِ ويقول عبدالله الفيصل: أكادُ أشـــــكُّ في نفســــي لأنّـــي أكاد أشكّ فيـــكَ وأنـــت مـــنّي يقول الناسُ إنك خُنـــتَ عهــدي ولم تحفـــظْ هــواي ولم تصـــُنّي وأنت مُناي أجمعُهــــا مشَــت بي إليك خطى الشـــباب المطـمئنِ وقد كان الشـــباب لغـــير عـــود يولي عــن فتــــى في غــير أمـــنِ وها أنا فاتــني القــــدر الموالـــي بأحــلام الشــباب ولــم يفتنــي