مع فكرة موت المؤلف أو انتهاء علاقة منتج الرسالة (الكتاب – النص الأدبي – الفيلم... ) برسالته وإحالة الأمر كله لتأويل القارئ او المشاهد، فإن أصحاب نظرية التفكيك يحملون الفرد المشاهد أو القارئ مسؤولية كبيرة تجاه نفسه، وعليه فلا مجال لنظرية المؤامرة في هذا النوع من التفكير، انت تشاهد الكثير وتقرأ الكثير وتتلقى العديد من الرسائل الاعلامية، فهل تعتقد بأنك تأتي الى كل هذه الرسائل مجردا ومنفردا وبلا حصانات من أي نوع ؟ هذا ليس صحيحا، انت تشاهد وتتلقى وتقرأ متكئا على تجاربك وشخصيتك ونوافذك الخاصة التي تطل منها على العالم، أنت شخص لديك معارف وعلاقات ومرتكزات ثقافية معينة وكل هذا يكون معك وأنت تشاهد وتقرأ وتتلقى، إذن فكل هذا التراث الشخصي والعام في نفس الوقت يرافقك ويطل معك على ما تتلقاه.
انت اذا مسؤول عما تتلقى، فلا مجال بعد ذلك للقول بأنك تتعرض لهجوم وغزو ثقافي وأن العولمة تحيط بك كما يحيط السوار بالمعصم، كل فكرة تجد لديك ما يتصدى لها ويقاومها، يرفضها أو يقبلها، لديك أدواتك وأنت مخير بين أمرين: اما أن تعطل أدوات التبصر لديك والتأمل والتفحص والتأويل، وإما أن تفعلها وتشغلها وتستخدمها بشكل حاد وذكي لتحمي نفسك مما تسميه الغزو والتعولم، والانصهار والاستلاب، من هنا يجوز لنا أن نقول بأن من يتم غزوه فكريا وقولبته بنجاح لصالح مشروع العولمة أو الأمركة فان ذلك يحدث بإرادته ووعيه التام.
هذا يحيلنا الى مسؤوليتنا عن ضياع أوراق الهوية الوطنية من حافظتنا او سلوكياتنا العامة، فلا أحد قد أجبر الآخر على اعتناق مبادئ لا يريدها أو سلب منه لغته بالقوة وأبدله لغة أخرى، ان الذين (يرطنون) بالانجليزية اليوم في اجتماعاتهم العامة والخاصة، وفي جلساتهم مع أصدقائهم وفي المؤتمرات وجلسات العمل الرسمية، لم يجبرهم أحد في الحقيقة على سلوك هذا الطريق الغريب، هم اختاروا الانتماء الى لغة غير لغتهم، إما من قبيل التباهي أو من قبيل الهروب من لغة لم يتقنوها بالشكل الصحيح !
ما من مجموعة تنتمي الى ثقافة ولغة واحدة على وجه الارض تتحدث بلسان غير لسانها إذا اجتمعت مع بعضها البعض الا نحن، ونحن هنا استثناء مريب يدعو لضرورة عقد اجتماع طارئ لأعلى جهة مسؤولة عن الثقافة والهوية والمستقبل، تماما كما اجتمع البرلمان الفرنسي يوما ليقرر تجريم ومعاقبة اولئك الذين يتجرؤون على اهانة لغة موليير بإدخال كلمات او ألفاظ غريبة او اجنبية الى اللغة الفرنسية، بما يعني أن الانسان يتحمل دستوريا ومدنيا وجنائيا المسؤولية كاملة عن اي تخريب يرتكبه عامدا متعمدا ومختارا في حق ثقافته ومكونات شخصيته القومية.
ليس هنالك عذر في قضية تضييع الهوية، كما انه لم يعد مقبولا تلك الحجج فيما يتعلق بتأثيرات الآخرين والاجانب، فالآخرون لم يفرضوا علينا شيئا بالقوة، الانجليزية نحن من سعينا اليها سعيا حثيثا وعززها البعض بقرارات والزامات واشتراطات لمن اراد الحصول على وظيفة وخلافه، والعادات الغربية نحن من افتتنا بها وقلدناها، ومناسبات الاخرين الغريبة عنا نحن ننتظرها ونعد لها العدة بينما نهرب من مناسباتنا وكأننا نتبرأ منها، أي أننا نحن في نهاية الامر من اختار التعري والانسلاخ من ثوبنا وحين وقفنا عراة وسط الصحراء القارسة البرودة صرنا نصرخ واهويتاه .. فمن ننتظر أن يغيثنا يا ترى ؟


ayya-222@hotmail.com