أن تلقي أم طفلاً رضيعاً في سلة المهملات وتهرب بجلدها لأي ظرف من الظروف أو بأي مبرر أو مسوغ.. أن تلقي أم طفلها من شرفة بناية وتلوذ مختفية خلف أستار الظلام أو أن تلقي أم رضيعها في قماط الضياع وتمضي بعيداً عن أعين الرقباء، كل هذا ضرب من ضروب الجنون وكل هذا مخالفة صريحة لقوانين الطبيعة وفطرة الأمومة التي تحت أقدامها تأتي جنان الخلد.. ثقافة التخلص من الأعباء ومبدأ أنا ومن بعدي الطوفان رذيلة من رذائل العصر المادي الذي جفف القلوب وعرى النفوس وترك الوعاء الإنساني خاوياً متهاوياً في براثن الجفاء وموت الضمائر.. عندما نسمع أو نقرأ عن مثل هذه الأحداث المؤلمة تقشعر أبداننا وترتعد فرائصنا لأنها أحداث تشير بوضوح إلى مدى التحلل البشري وإلى ما وصل إليه بعض البشر من تصحر وجداني ويباب في المشاعر ما يجعلهم يرتكبون الخطيئة ولا يفكرون في العواقب. القضية ليست عقاباً مادياً قد يناله الشخص مرتكب مثل هذه الجرائم بل إن ما يتعدى هذه العقوبات هو الجرح الإنساني الذي سيخلفه الفعل الشائن في النسيج الاجتماعي وما سيتركه في نفس هذا الطفل الذي سيكبر وسوف يفتح عينيه ويبحث عن أم وأب فلن يجد غير ملجأ وأيد تمتد إليه عن بُعد من ذوي المشاعر الرقيقة.. كل هذا لن يجدي مع هذا الصغير الذي كبر ولن يسد الفراغ النفسي الذي خلفته الأيدي الآثمة عندما ألقته في فراغ الشارع ولاذت بالفرار لتخفي جريمة وتبرز جريمة أكبر وأشنع وأفظع. عندما نقرأ أو نسمع عن مثل هذه الأحداث المؤسفة تدمى قلوبنا وتفور الدماء في أجسادنا لأن مثل هذه التصرفات اللاإنسانية تفرغ الكيان الإنساني من معناه وهو الإنسان الذي كرّمه الله وسجدت له الملائكة، كيف يسطو بعض من فقدوا الضمير على حق من حقوق الإنسان في أن يجد الأم التي ترعاه والأب الذي يحميه والبيت الذي يؤويه والرزق الذي يكفيه من شرور العوارض الدنيوية.. هذا الطفل الذي هو مشروع إنسان المستقبل، يفكر ويبدع ويخترع ويساهم في بناء مجتمعه عندما يلقى في براميل القمامة فإن الذي فعل ذلك قذف بحق من حقوق المجتمع إلى هاوية الضياع.. الذي يفعل ذلك يرتكب الجريمة بحق المجتمع وبحق الإنسانية ويهرب نافضاً يديه وكأنه لم يجرم ولم يحرم المجتمع من مشروع طاقة بشرية، يجب وضعها موضع الاهتمام والرعاية ودرء الأخطاء عنها، لا أن تصبح فريسة للدهماء أو عرضة لأي خطر.. أتمنى أن تلقي شرطة عجمان القبض على مرتكب جريمة الرضيع والذي تم العثور عليه في سلة مهملات، وأتمنى أن يكون العقاب من جنس العمل ويتوازن مع الجريمة النكراء التي ارتكبها.. أتمنى والأمنيات كثر في ردع الذين لا يحبون إلا أنفسهم.. أنانيون حتى النخاع.