ننظر الى حال الإرث الثقافي في مجمله، فترتد النظرة حسيرة وهي تتابع تشتتها وتبعثرها هنا وهناك. ثقافة لا تصان بكل حيثياتها ولا يحفظ لها مكونها الأدبي ولا مخطوطات كتابها وأدبائها. لا جهة تحتضن ذلك الإرث على النحو المألوف والمتقن المتعارف عليه في هكذا حالات، فكل الجهات حين تعدها واحدة، وهي بالإجمال لا تأخذ على عاتقها حفظ الأسس والثوابت، ولا مؤسسة ثقافية تشحذ همتها لاحتواء ما تقدم من ذلك الإرث الثقافي القيم. من حق الأدب الإماراتي وأدبائه وكُتّابه أن تقوم جهة ما بحفظ مكونهم ومكانتهم، فهم من ساهم في البناء الثقافي الشامخ، ومن رسم اللوحة الجميلة، أو تبعها بالخطوط العربية الجميلة، ومنهم من مزج بين الشعر والقصة أو انفرد بالرواية، فكان المشهد “بانوراما” أمتعت ومتعت وخلقت فضاءات إبداعية مثمرة وخلابة. ورغم أن هناك مؤسسات ثقافية قامت بالحفظ الإلكتروني لمجمل الأعمال الأدبية والثقافية، إلا أن ذلك لم يكن باهتمام خاص أو جهد ذاتي منها بل بسبب سعي وتعاون من الكتاب أنفسهم، فمن أراد قدم لنفسه ما من شأنه أن يحفظ سيرته وإنجازه من أعمال، ومن لم ينتبه فلن يجد من يعنى بهمِّ رصد الأعمال الثقافية وأرشفة ذاكرة الوطن. معظم المؤسسات الثقافية بالدولة لا تعمل ضمن الإطار الثقافي الذي يخدم الثقافة المأمولة أو المثقف الحق، وليس لها سوى الصيت الثقافي المقترن بالفعاليات التي تنظمها بنهج أو بلا نهج، وتتقدمها الفردية التي تظل منقوصة من حيث الحرفية. صندوق التكافل واحد من المبادرات التي اكتمل نصابها أخيراً، ومهما كان شأنه إلا أنه لا يستطيع كجهة ذات نفع عام أن يسد ثغرة من القضايا التي تعوق الأديب أو تهزم المثقف، وبعضها قيدت في محاضر ومن خلال الثوابت والأدلة. ومنها قضايا إنسانية ذات علاقة بالمرض والمشكلات المالية، فلم ينكشف الغطاء عن المؤسسات الثقافية كونها لا تقدم ما ينبغي للكتاب والأدباء؟ وثمة قسم آخر من المؤسسات الثقافية حين ينظر المرء إلى حالها، يستشعر بأنها تتعالى على الثقافة المحلية وكأنها أكبر من أن تهتم بها، فلا تتعاطاها إلا في حدود ضيقة، ولا تعير الأديب ولا الأدب الإماراتي ما يستحقه من العناية والاهتمام. إن تشخيص الحالة في عمومها من دون الخوض في الأسماء والتفاصيل لا يعني البعد عن التعيين الدقيق، وبالأخص في ما يتعلق بالمؤسسات ذات العلاقة المحورية بالشأن الثقافي، والتي من صميم عملها الاهتمام بالثقافة والمثقفين، ومع ذلك لا تمتلك فرعاً صريحاً يعنى بالأدب والأدباء، فكيف ينتظر أن تخدم النخبة الأدبية أو تقدم ما يصحح المسار أو يجمّل المدار؟