فيما مضى من السنين كان أهل هذه البلاد متناغمين مع أنفسهم ومنسجمين مع تفاصيلهم الثقافية والاجتماعية، كانوا يرتدون ثيابهم التي توارثوها بحكم سيرورة الحياة، ويأكلون طعامهم البسيط ويحتفلون بعيدين لا ثالث لهما، ليس هناك عيد ميلاد للصغار ولا للكبار وليس هناك أعياد للشجر والأم والعمال والمعلم وغيرهم، هكذا كان أهلنا يعيشون على سجيتهم وبصفاء فطرتهم دون أن يكون لذلك أي تأويل يحتمل التعارض أو التحامل على أي شيء أو أي أحد.
ومرت الأيام واتحدت الإمارات وكبرت الدولة وجاءها بشر من جهات الدنيا الأربع، مع ذلك ظل الناس على بساطتهم وعلى احتفالاتهم ولعلنا كصغار كنا لا ننام ليلة العيد لشدة فرحتنا به، أما يوم النصف من شعبان فكان يوماً مشهوداً تحتفي به المدينة والعائلات والطرقات وتبدو أكياس المكسرات والملبس التي تثقل أكتاف الصغار مهرجان ألوان وحلوى يحتفي بقرب هلال رمضان، إلا أن الصغار حين كبروا وصار لهم أولاد صغار أضافوا للقائمة احتفالات ما كانت على البال، أعياد الميلاد في مطاعم الوجبات السريعة، ثم انتقلت إلى أفخم الفنادق عندما اتسع الحال وزادت الخردة وطفح دلع الأولاد عن حده، لكن الأمر لم يعد مقصوراً على الأولاد، فالأعياد زادت والملابس تغيرت وبنية العلاقات والروابط وكل المجتمع تقريباً انقلبت رأساً على عقب.
جاءنا أهل وجيران وأصدقاء وغرباء ومعهم أعيادهم واحتفالاتهم وملابسهم وطقوسهم، ورحبنا بهم واشتغلوا معنا لرفع البنيان وإعلاء شأن الإمارات، وما دام الكل ملتزماً بما له وما عليه، فنحن في الأمان بإذن الله تعالى، لكننا تعدينا على أعياد الآخرين وعلى معتقداتهم، وصرنا ملكيين أكثر من الملك، صرنا نحتفل بأعياد ميلاد الصغار بشكل يفوق احتفالات أولاد البشوات في الأفلام العربية القديمة أيام ليلى فوزي ورشدي أباظة ومريم فخر الدين، ثم صرنا نحتذي بهم شكلاً ومضموناً، فصرنا كالطير الذي نسي مشيته فلا هو يمشي كالغربان ولا كالقطاة، والغريب أننا صرنا نتهم الآخرين بأنهم أضاعوا هويتنا وخربوا مجتمعنا، والمفروض أن نكاشف أنفسنا بحزم لنعترف ونعرف من هو المسؤول الحقيقي عن ضياع هذه التفاصيل!!
يقول القارئ “ أحمد “ كثيراً ما يحزنني خاصة من إخواني وأبنائي تساؤلهم أين سيحتفلون بالكريسماس ومتى وما هي الترتيبات لذلك؟
ليس من المعيب أن نتعرف إلى مناسبات الآخرين الدينية وثقافاتهم ولكن لماذا علينا أن نمارسها ونقلدها بشكل عشوائي دون أن نفهم مغزى تلك المناسبات ولا مدلولاتها ورمزيتها بالنسبة لهم ؟ فهل يحتفلون هم بأعيادنا مثلاً ويتلهفون على مناسباتنا ؟ إنهم لا يفعلون لأن ذلك لا يعنيهم ببساطة، أما نحن فنشكل فريق عمل واقتراحات وإبداعات وميزانيات لكي نقرر أين سوف نحتفل، ونتباهى بوجود أكبر وأضخم وأغلى شجرة عيد ميلاد، بينما لا يفعلون هم في بلدانهم شيئاً من هذه الفرقعات، وحتى لو كانت هذه الأشجار للجذب السياحي ولزوم الترويج في الأسواق التجارية، فماذا نقول عن أولئك الذين بدأوا يضعون أشجاراً في بيوتهم؟
إن لهذا التقليد وهذا الانسلاخ التدريجي عن تفاصيل هويتنا الدينية والثقافية تبعات كبيرة على الأجيال القادمة خاصة ونحن نعاني هذه الأيام من فقدان الهوية بشكل يقره الجميع، ذلك كله لا يعني أننا ضد أي ثقافة لكننا مع أن يحتفظ كل مجتمع بمكوناته الثقافية وبتفرده دون الحاجة للطفو على ثقافات الآخرين.


ayya-222@hotmail.com