منذ الصباحات الباكرة، وعلى صفحات الجرائد والمجلات، تتوارد وتتوافد وتتعامد إعلانات مبهرة، عن علاجات واكتشافات خطيرة ومذهلة، لأمراض استعصت على الطب، وأعيت المُداوي والمُعاني..إعلانات تنفرد في صفحات كاملة، ومزهاة بالألوان البرّاقة، تعلن أن طبيباً ما اكتشف علاجاً ناجزاً لأمراض مثل سرطان القولون، ومن يكابدون مثل هذه الأمراض وسطوتها كُثر، فتراهم المساكين يبذلون الغالي والنفيس، ويقطعون المسافات الشاسعة من أجل الوصول إلى هذا الطبيب العبقري الفذ، وبعد معاناة ومكابدة، يعود المساكين بخفي حنين، لا يقبضون غير الحسرة والندم، وضياع الأمل، واستفحال الألم، وسفح الدموع، ونفث الآهات.
أحد المرضى يقول إنه قرأ إعلاناً عن علاج سرطان القولون في أحد البلدان العربية، فخب خبيبه وصب صبيبه، وصرف كل ما في جيبه، لإنقاذ نفسه من هذا المرض الخبيث، والذي دار به في جميع مستشفيات الدولة دون جدوى، ويضيف عندما وصلت إلى الطبيب المذكور في الإعلان، شعرت بالفرح، لأنني ممتلئ بالأمل من أنني سوف أشفى على يدي هذا الإنسان الذي بعثه الله لينقذني من معاناة المرض، ويدفع عني شروره، وبالفعل فحصني الطبيب ووصف لي الدواء، وعدت به إلى البلاد، ولكنني لم أستطع تعاطي ما وصفه قبل عرضه على الأطباء هنا في بلادنا، وكانت المفاجأة أن جميع المختصين الذين عرضت عليهم الدواء لم أحظ منهم بإجابة شافية، بل الجميع أجاب إجابات مبهمة لا تغني ولا تسمن، ولا تشفي الغليل، الأمر الذي جعلني أخشى تناول دواء لا يعرف أحد كنهه ولا محتواه، والآن أنا عدت كما بدأت، أتردد على المستشفيات، وأتعاطى العلاجات السابقة، التي لم تُجدِ نفعاً لأن المرض يتسرب في جسدي ويسري في دمي، والآلام تتضاعف، وأنا أعيل أطفالاً، وزوجة، ولا حول لي ولا قوة، غير الشكوى إلى الله، لأن الإعلانات مستمرة في الإغواء، والأطباء المزيفون يستمرؤون الكذب على ذقون الناس، وآلامي تكبر بحجم الحسرات التي تستولي على روحي.. كل ما أتمناه الآن وأنا طريح على فراش المرض، أن يكون هناك شيء من الضمير الحي، لرقابة الإعلانات حتى لا يقع المزيد من الضحايا فريسة للكذب، وجشع الذين يلهثون وراء الربح السريع على حساب المرغمين على ذلك.
قد يقول قائل “القانون لا يحمي المغفلين”، لكنني أنا لست مغفلاً، بل أنا في أمسّ الحاجة إلى خيط ولو كان رفيعاً، لأتعلق به، هروباً من هذا المرض اللعين، فشغفي ولهفي كانا من أجل الخروج من سطوة هذا المرض، والحياة جميلة ولا يعرف قيمتها إلا من به ألم، لذلك جازفت بكل شيء من أجل الحياة، ولا أريد أن يقع غيري في شباك هذه المحنة التي ينصبها أطباء مفترون، لا يخافون الله، ولا يخشون وخز ضمير.. فراقبوا ودققوا في الإعلانات يا من تتولون مسؤولية هذه الأمانة، ولا تدعوا الناس ضحية الادعاء، وموت الضمير.


marafea@emi.ae