أحياناً تثير بعض الآراء والكتابات حالة من الاستياء لدى قراء الصحف تحديداً، وان خفَّفنا المسألة قليلاً سنقول بأنها تثير الاستغراب والعجب، فمثلاً قرأت انتقادات كثيرة وطويلة جداً وجهت لمسلسل عرض مدبلجاً إلى العربية على أكثر من قناة عربية، تناول سيرة الصديق يوسف عليه السلام، على اعتبار الجدل الفقهي الأزلي حول جواز أو عدم جواز تجسيد شخصيات الأنبياء في الأعمال الدرامية بحسب فتاوى دينية معينة، كما قرأت انتقادات وجهت لأعمال فنية قام بها مبتدئون في الموسيقى، وكان النقد شديداً ولاذعاً ومراً إلى درجة لا تصدق، حتى أنه يخيل إليك أن بين الكاتب وموضوعه حالة ثأر وليس موضوعاً قابلاً للاختلاف.
ما يثير الاستغراب وأحياناً الغضب أن الذين ينتقدون مثل هذه الأعمال يغضون الطرف اختياراً وبشكل مقصود عن مواضيع تستحق الإعدام فنياً وليس مجرد النقد، وحينما عرض مسلسل يوسف قال البعض فيه كلاماً قاسياً لا يصدق حتى أنهم اتهموا من تابعه بالخروج عن الملة، وهنا وبهدوء شديد نسأل لنعرف ونتبين الطريق الذي نسلكه: هل هناك نص متفق عليه في هذه القضية تحديداً؟ وإذا كان هناك نص ألا يرفع الإعلام أول ما يرفع شعار حرية التعبير وحرية الرأي، إذن أفلا يحق للإنسان أن يختار ما يناسبه من أعمال فيتابعها طالما أنها لن تؤثر على دينه ونظرته التقديسية لهذه الرموز؟
الأمر الآخر المهم أننا نشاهد الكثير من الأعمال السيئة، ومع ذلك فإن عرضها يستمر بل يعاد ويكرر بالرغم من تضمينها مشاهد خارجة عن الأدب والذوق العام، وبالرغم من احتوائها على رسائل ومضامين تتعارض وتقاليد وعادات ودين المجتمع، بل وأحياناً كثيرة تضرب الدين في مقتل ومع ذلك فلا ينتقد أحد ولا يقول أي ناقد صنديد كلمة واحدة، ويترك المشاهد المسكين أمام أمواج المسلسلات العاتية تتقاذف عقله ووجدانه وقناعاته يميناً وشمالاً!!
في مسلسل يوسف عليه السلام، وحتى إن سلمنا جدلاً بعدم جواز التجسيد للأنبياء لما لهم من قدسية، فان للعمل جوانب كثيرة رائعة كان الأجدر الالتفات إليها والتنويه عنها، خاصة وأن كثيراً من الشباب قد اطلع على عمل تاريخي موثق كما قال القائمون عليه، عمل يجمع بين الدين والتاريخ - وان خالطته بعض الرسائل الأيديولوجية المكشوفة - اتسم بنظافة كل مشاهده من ثلاثية الجنس والسياسة والعري الفاضح، ومع ذلك فقد نجح جماهيرياً.
إن نجاح المسلسل وأي عمل شبيه يضرب القاعدة التي روج لها أصحاب المنهج الحسي في الدراما التلفزيونية والسينمائية القائلة باستحالة نجاح أي عمل إلا إذا حشي بأكبر قدر من الوجوه الجميلة والنساء المتعريات والمشاهد المبتذلة مع قليل من خلطة سلطة حارة مكونة من أغاني أي كلام ورقص لا لزوم له ومشاهد بحر وحمامات سباحة وكباريه و.... إلخ.


ayya-222@hotmail.com