لا أعرف لماذا ينقبض قلب الإنسان إذا ما ودع شيئاً جميلاً؟ وكأنه انتزع منه انتزاعاً، هل لأنه قد لا يرجع ثانية؟ أم أنه الخوف أن لا تسنح فرصة أخرى للشخص بالحضور والعيش في الأجواء نفسها مرة ثانية؟ هل هو التوجس أن لا تتكرر المتعة نفسها، إذا ما تكررت الحالة؟ أم أنه لا هذا ولا ذاك، هي مجرد ظاهرة من الحنين الطاغي لشيء ترافق معك لأيام، وعديته أمراً جميلاً قياساً بأمور أخرى.
هكذا شعرت بعد أن انفض سامر كأس العالم للأندية بالأمس، وانتهاء العرس الكروي الجميل، وهكذا يحدث بعد انتهاء كل أمر مفرح، وأجدها ربما هي من عادات طفولية يسحبها العمر معه دائماً، وقد يشاركني فيها الكثير من الناس كحالة إنسانية، مفرطة في الحب، وعشق إيقاع ما تألف وتتعود عليه بسرعة، لدرجة أنه يستملكك أو يصبح جزءاً منك، ليس بودك التفريط فيه وبه بسهولة.
هذه الحالة أجدها أكثر وضوحاً عند أولئك الناس الذين يتمتعون بحساسية عالية تجاه أمور الحياة ومكوناتها، ويندمجون معها لدرجة الحب “المرضي” فما أن تنتهي أيام الأعياد بالنسبة لهم إلا وتجدهم يشعرون ببعض الانكسار وبغياب الفرحة التي كانت حاضرة، وإذا ما انتهى عرس أو فرح شعروا بعده بالخواء والتثاقل، وإذا ما هلّ هلال العيد، وودع رمضان، تجدهم في حالة من عدم الاستقرار، وفاقدي التوازن لأيام، مع شعور بعدم الارتياح لأسباب لا يدركونها، لكنهم متيقنون أنهم ليسوا كما يرام.
ويفترض بهم أنهم حينما يرجعون من عطلة أو إجازة أن يكونوا نشطاء ومتجددين للعمل، غير أنك تجدهم بعد تلك الرحلة والاسترخاء ومشاهدة الأماكن الجديدة، وبعدما ألفوا إيقاع يومهم هناك، وعادوا ليستقروا في مدينتهم من جديد، يشعرون بطيف من الكآبة لانقضاء الرحلة، وتفرق ربما الأصدقاء الذين شاركوهم فيها، والتعود من جديد على نمط من إيقاع اليوم مختلف، وإن كان متعودين عليه من قبل، إلا أنه انكسر بتلك العطلة، ولو كانت قصيرة حتى لأسبوع.
مثلاً كاس العالم وطقوسه وفعالياته يرهقهم أكثر من بطولة الدوري أو انتهاء أيام وفعاليات معرض الكتاب، لأن الجمع في كاس العالم كبير، والأحداث متتالية، فكلما كانت المشاعر جماعية وفيّاضة ومختلطة، كانوا أكثر تأثراً وحنيناً للمفارقة، المهم أن لا تقطع المناسبة بشيء لكي يظل شعورهم “النوستالجي” رهيفاً.
هذا الحب الجارف والسريع ليس لكل المناسبات، فقط للمناسبات الجماعية، والمناسبات التي هي قريبة لقلوبهم ونفوسهم، ويشعرون فيها أنهم جزء أساسي منها ولو كانوا من بعيد، من خلال المشاركة في طقوس هذه المناسبة وتأثر يومهم بها.. هم أناس شفافون يحملون درجة من الحب، لا يعرفون كيف يعبرون عنها، وإن كان هذا الحب نوعاً “مرضياً” أحياناً!


amood8@yahoo.com