حين كتبت يوم الجمعة الماضية عن أساليب الدلع والغنج المصطنعة عند الفتيات، استقبلت صديقاتي من طالبات الجامعة (بالطبع يصغرنني بسنوات) المقال بالكثير من الحماس، وبدأت التعليقات والاتصالات تنهال علي، رأيت في حديثهن الكثير من الاستنكار لمظاهر الاستعراض، التي تبالغ فيها بعض الفتيات لجذب الانتباه، ووعي فعلي واقع بما يمكن أن يسببه تساهل البعض أمام هذه الأشياء. ولم يقتصر التعليق على الفتيات، فعلى الموقع الإلكتروني للجريدة، تركأحد القراء تعليقاً يستحق النقل، فقال “نحن كعنصر رجالي لا يجوز لنا الحديث أو إبداء الرأي في مثل هذه المواضيع، كانت جدتي رحمها الله، والتي توفيت عام 2001 عن عمر يناهز 75 سنة تردد هذه المقولة، وذلك منذ 30 سنة وهي، «إذا قلّ الحياء من النساء زال الستر وانكشف الغطاء»، لو كان هذا هو رأيها في القرن الـ19 ماذا كانت ستقول، لو مد الله بعمرها إلى أيامنا هذه، ورأت ما نراه من لثغات وستائر مجالس الضيوف وأبراج بيزا المائلة والمخلوقات الفضائية ذات الأصباغ والألوان المصطنعة وألوان العيون وكأنهن مصاصات دماء”. التجاوب الكبير مع الموضوع، أعادني للحديث عن مفردة الأنوثة التائهة وسط شلال الموضة، فالحديث الماضي اكتفى بذكر “القنبوعة” والعباءة، لكن مظاهر أخرى صارت منتشرة، أبرزها جز الشعر “بالموس”، فيما أسمته الفتيات تسريحة “شوجي”، وصبغ الشعر باللون الأبيض، وحقن “البراطم” بالبوتوكس، وارتداء البناطلين الفسفورية الملتصقة بالجسد “الليقنيز” وغيرها من غرائبيات جديدة. لا أدعو طبعاً إلى تقييد حرية اللباس، ولا يمكن أن يكون حديثي دعوة لإهمال الجمال والأنوثة، لكن من الأفضل لنا جميعاً أن نضع الأمور في نصابها، وأن ندعو إلى الأناقة الراقية الجميلة، لتعكس المرأة روعتها الحقيقية، دون أن تحتاج لألوان إشارات المرور على عينيها، ولا إلصاق أظافرها “بسوبر قلو”. يمكن لمن أرادت أن تتفنن في إبراز مواطن جمال وجهها، دون أن تبدو كمن ارتدت قناعاً شمعياً، ولها أن تعكس أناقتها دون أن تلبس “الخلاقين”، وأن يكون مظهرها الراقي أبرز صورة عن قلبها الرقيق، لا أن تلهث وراء حجم “القنبوعة” و”عبايات الخفافيش” لتختفي طيبتها ورقتها وثقافتها الفعلية وراء ما تعتقد أنه جمال وما يراه الناس امتهاناً، وهي إن ظنت بأنها تجذب الأنظار فالناس يشكون مدى جديتها والتزامها واحترامها، لأن عقول الناس كافة، سواء أكانوا عرباً أم أجانب، تقرن المنظر المتزن بالعقل الرزين، أما المختبئون وراء المظاهر فيحتاجون دائماً لامتحانات قوىةتهزهم كي نكتشف “مخابرهم” التي تخفى علينا وراء مظاهرهم.