الناس شغوفون بالمبهر والكبير والعظيم، مهووسون بالعظمة العظماء وبالضخامة أياً كانت، تبهرهم الأهرامات، وتخطف قلوبهم مباني الفاتيكان، والكاتدرائيات العملاقة في شوارع العالم، يقفون مأخوذين أمام آثار روما واليونان و... إن حكاية أكبر كرسي في العالم، وأكبر صحن حمص، وأكبر كأس نبيذ، وأعلى طاولة، وأطول شنب، وأطول أظافر، ليس سوى تجليات ذلك الهوس وإن بدا متواضعاً ومتوارياً خلف عظمة الإنجازات الإنسانية الكبرى. إن بعض أرقام اليوم القياسية تثير الإعجاب في بعضها، وقد تثير فيك الشعور بالاستغراب حول الهدف، الذي يجعل البعض يتدافع من أجل أن يحظى بسطرين في موسوعة عالمية؟ أهي الشهرة أم حب الخلود أم البحث عن شيء آخر ؟ وأحياناً تدفعك بعض “الإنجازات” للضحك وللرثاء على حال أصحابها، خاصة حين تقرأ عن أحدهم، وهو يكدح الليل والنهار، مضحياً بكل شيء من أجل إعداد أكبر صحن فلافل ليدخل به عالم الشهرة، وتكتب الصحافة عن إنجازه العظيم، فتراه مفاخراً بنفسه وهو يقف في الصورة إلى جانب صحنه العملاق أو كأسه المهولة، فيما يلح على رأسك السؤال نفسه ما الفائدة من كل ذلك؟ بحسب موقع شركة جينيس للأرقام القياسية على شبكة الإنترنت، فإن الشركة تقول إنه في آخر طبعة للموسوعة عام 2006 فإن هناك 64,000 رقم قياسي عالمي في شتى المجالات والفعاليات الفردية منها والجماعية، وكذلك فإنها أول موسوعة تباع منها في الأسواق 100 مليون نسخة لحد اليوم، وهو رقم قياسي بحد ذاته يخولها للدخول إلى الموسوعة هي الأخرى، لذلك فإن الذين يتساءلون عن الفائدة التي يجنيها فريق جينيس من هذا التعب في كل الجهات بحثاً عن أصحاب الفعاليات القياسية يعلمون أن لا شيء يحدث مجاناً وأن الذئاب لا تهرول عبثاً في أي مكان! وجينيس كتاب مرجعي يصدر سنوياً، يحتوي الأرقام القياسية العالمية المعروفة، يخزن فيه كل الأرقام القياسية أو الأعلى في كل مجال مثلاً: أكبر وأسرع وأثقل وأثرى، وتحتوي هذه الموسوعة على العديد من المعلومات، منها أعظم وزن رجل في العالم، وأقصر امرأة، وأضخم كلب في العالم، وأقوى رجل في العالم، وأطول رجل في العالم، وأصغر دب، وأكبر دب، وهناك الكثير حول العالم ممن يضحون بحياتهم أو مالهم لقاء اسم في موسوعة جينيس العالمية، وتبقى الشهرة هي الدافع الأول وراء دخولك موسوعة جينيس. بزغت فكرة كتاب “جينيس” للأرقام القياسية في عام 1951، ففي ذلك العام دخل السّيد “هيوغ بيفر”، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير معمل “جينيس” لصناعة البيرة، في جدال أثناء مشاركته في رحلة صيد، ودار الجدال حول أسرع طير يستخدم كطريدة في ألعاب الرّماية في أوروبا؟ في تلك اللحظة، أدرك السّير “بيفر” مدى النجاح الذي قد يحقّقه كتاب يأتي بالإجابة الشافية على هذا النوع من الأسئلة، فكان كمن ينظر مخترقاً حجب الأيام! بدأت فكرة السّير “هيوغ” تتجسّد واقعاً ملموساً، عندما أوكل “نوريس” و “روس ماكويرتر”، اللذين كانا يديران وكالة لتقصّي الحقائق في لندن في مهمّة جمع ما أصبح في ما بعد “كتاب جينيس للأرقام القياسيّة”. وصدرت النسخة الأولى منه في 27 أغسطس 1955، ليتصدّر لائحة الكتب الأكثر مبيعاً بحلول عيد الميلاد في العام نفسه، ومنذ ذلك العالم والبعض لا يتوانى عن عمل أي شيء لا فائدة ولا قيمة له لأحد، سوى وضع اسم صاحبه على لائحة جينيس، وهذا يكفي بالنسبة للبعض!!‏ عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com