بعض الناس إما أن يكونوا مشوشين بطبيعتهم أو أن الأمور تظهر مشوشة في عقولهم، فيخلطون بين عنب اليمن وبلح الشام، فما دخل الدين والحكومة في عمل فندق يروج لنفسه وللمدينة التي فيها مقره، فيبتكر من الطرق الدعائية التجارية ما يمكنه من الوصول لهدفه من كسب الشهرة والمردود المادي، وربما تسجيل رقم قياسي له وللمدينة، فيقدم هذه المرة أغلى شجرة ميلاد احتفالاً بالكريسماس وبرأس السنة، مرصعة بالجواهر والأحجار الكريمة، وهي عملية تجارية محسوبة في سوق الدعاية، ومضمونة المكاسب المادية والمعنوية، لكن يظهر ممن يقرأون الأمور وفق منهجية عقائدية وذهنية دينية فيلوم الحكومة كيف تسمح بمثل هذا التبذير، وهذا التصرف في بلد مسلم، وهو في حقيقة الأمر يريد أن يغمز من طرف خفي لمحاربة البدع، كشجرة الميلاد والاحتفال برأس السنة الميلادية التي يسير عليها تقويم العالم كله، وهم أنفسهم أيضاً من يحارب الاحتفال بالسنة الهجرية الجديدة تقويم المسلمين واحتفاء بهجرة الرسول الكريم، لأنها حتى هذه يعدها الغلاة والمتعصبون من البدع التي تؤدي إلى جهنم، ولو أردنا أن نقرأ الموضوع بحيادية: من لا يريد أن يحتفل من المسلمين بهاتين المناسبتين فليس مجبوراً، بل “مأجوراً” على رأيهم، ثم إن هناك نسبة عالية من المقيمين من ينتمون للمسيحية من مختلف البلدان ويعيشون بين ظهرانينا، ولهم حق أن يفرحوا بأعيادهم، ويشاركهم في ذلك الكثير من الطوائف الدينية الأخرى من شعوب شتى، كتقليد عالمي. ونفس هؤلاء المتشددين يرون في فتح كنيسة في البلاد لممارسة الآخر شعائره الدينية أمراً خطيراً، فكيف إذاً نطلب من بلدان دينها الرسمي المسيحية وتتبع المذهب الكاثوليكي أن نقيم مساجد ليصلي فيها المسلمون الموجودون هناك، ولا نعطيهم بالمقابل الحق في بناء دور العبادة، سيظهر من يقول بالتنصير والتبشير، واضعاً نفسه مكان الناس ووعيهم وإيمانهم ورجاحة عقولهم، وكأن المسلم هش وقابل أن يغويه أي أحد ويردّه عن دينه بناء كنسي وجد لآخرين يقيمون فيها شعائرهم، وأذكر مرة في سنوات ما قبل 11 سبتمبر أن تكافل بعض الأخوة في شراء قاعة كبيرة في عمارة في باريس لتحويلها لمسجد يتسع لنا وخاصة أيام الجمع ورمضان، فتعاونا ولكن لولا مساعدة الفرنسيين المسيحيين، وحتى غير المنتسبين لدين”اللآييك” في الأمور الإدارية والقانونية المعقدة لما قام ذاك المسجد، لكن هؤلاء المتعصبين يريدون محاربة المخالف لهم! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com