ذات مرة أقمت لدى عائلة ألمانية في مدينة كولن شمال ألمانيا، واعتقدت للوهلة الأولى أنها لا تملك سيارة خاصة بها لحرص جميع أفرادها على استخدام المواصلات العامة، حتى ربة العائلة التي كانت قد تجاوزت الستين عاماً تستخدم دراجة هوائية للوصول إلى أماكن التسوق لشراء احتياجات البيت اليومية. وفي أول عطلة أسبوعية لي معهم، اكتشفت أن الجميع لديه وسيلته الخاصة للمواصلات، فالأب يملك سيارته الخاصة المركونة في مرآب على بعد أمتار من المنزل، والابن لديه دراجة نارية من طراز فخم وفاخر، والابنة لديها سيارة رياضية صغيرة وفخمة. وعندما لمحوا الدهشة في عيني لعدم استخدام مركباتهم الخاصة، وقصر الاستفادة منها فقط في العطلات للذهاب إلى مناطق بعيدة، أشاروا إلى كفاءة شبكة المواصلات العامة من جهة واقتصادية استخدامها من جهة أخرى، إضافة إلى الإسهام في الحد من تلوث البيئة. كانت هذه الممارسة واحدة من صور تراكم الوعي لدى هؤلاء الناس، جعلتني أدقق في متابعة ممارسات وعادات تمنيت لو نختصر الزمن ونطبقها في بيئاتنا. استعيد تلك الأيام بينما أتابع ما يجري بالقرب مني يومياً من تصرفات شباب جامعي يفترض أن يكونوا قد بلغوا من المستوى العلمي والوعي ما يجعلهم قدوة للآخرين، فإذا بهم لا يختلفون عن أي شخص لم ينل ما نالوا من علم ومعرفة. أشاهدهم في مواجهة يومية مع السكان المقيمين في محيط تلك الجامعة الخاصة داخل مدينة أبوظبي، حيث يصر كل طالب على الحضور بسيارته الخاصة دونما أدنى اكتراث بما يسبب من إغلاق للمداخل المؤدية إلى منازل المواطنين المقيمين في الجوار وغيرها من المضايقات، على الرغم من أن إدارة الجامعة وفرت حافلات مكوكية لنقلهم من مواقف عامة لا تبعد أكثر من مئتي متر من مقر الجامعة. ولكن الصورة الأشد تجسيداً لتدنى الوعي البيئي لهذه النوعية من الشباب تبرز خلال فصل الصيف، حيث تجد بعضهم يترك محرك سيارته يعمل حتى يتولى المكيف تبريدها ليعود الطالب “الألمعي” إليها ويجدها باردة من الداخل. ومن الصور الأخرى أيضاً ما تراه من ممارسات لشباب “ التيك أوي” الذين يحاصرون بسياراتهم مقهى أو مطعماً للوجبات السريعة أو حتى بقالة ويزعج ببوق سيارته عباد الله من الموجودين قرب المكان، كل هذا من أجل أن يخرج إليه العامل ليلبي طلبه الذي لا يزيد أحياناً على زجاجة مشروب غازي، وهو يتجاهل مقدار النفع الذي يعود عليه من إيقاف محرك سيارته والخروج للمشي إلى حيث يريد في أضعف صور الحركة المطلوبة للجسم المكتنز بالشحوم !!. حتى تجربة أحد مراكز التسوق الكبيرة التي حددت درهماً لاستخدام عرباتها أجهضت لأن “ الجماعة” واصلوا ترك العربات في الشارع، فالمسألة بالنسبة لهم “ مجرد درهم”، وتناسوا أن الغاية من تلك الخطوة تعزيز الوعي بضرورة سلوك مسلك حضاري لا يسبب الأضرار للآخرين. بل تصرفاتهم هذه تتسبب في استمرار حاجتنا إلى عمالة هامشية لا تنتعش إلا بوجود ممارسات الاتكال على الآخرين حتى في أبسط الأمور مثلما يجري عندنا - وللأسف - من قبل شباب يفترض فيه الوعي والعلم.