متوازية علمية واجتماعية وثقافية واقتصادية.. ما يمس التعليم يعني سوق العمل.. خطان مستقيمان، لا يجب أن يتقاطعا مهما امتدا. وأي نهضة حضارية لأي بلد لا يمكن أن تستقيم إلا باستقامة التعليم، واعتدال سوق العمل، بما ينتج عنهما، قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة، وتحرر من البطالة، وما يتبعها من مصائب وخرائب، تحيق بالمجتمعات.. والمجتمعات الخليجية جزء لا يتجزأ من هذا العالم، وفي العقدين الأخيرين، ارتفعت حدة الشكوى، من خطورة الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، ولاشك في أن القطاع الخاص ساهم بشكل مباشر في اتساع الفجوة، وعزز الفارق بين ما يحتاجه السوق، من يد عاملة، وما هو معروض ولأسباب خاصة بهذا القطاع، حدث ذلك الانقطاع شبه الكلي في العلاقة بين حاجات المجتمع، والقطاع الخاص.. إذاً المسألة لا تتوقف عند مخرجات التعليم وحدها، وإن هذه أساسية وجوهرية، دائماً الأمر يتوقف أولاً على ثقافة المجتمع، وتقبل الأيدي العاملة بعض الأعمال التي لم تجد بعد مكاناً في الذاكرة، والأمر الثاني يتعلق بالقطاع الخاص، الذي حاول أن يؤسس كوكبه الخاص به بعيداً عن قضايا المجتمع، بل وصار هذا القطاع، عبئاً على المال العام، بحيث إنه تمتع بكافة الخدمات التي تقدمها الحكومات في حين أنه يمتنع عن المساهمة، في استقطاب عدد من الخريجين، وتحت حجج وأعذار جاهزة، ومعدة سلفاً، أهمها أن الخريج المواطن لا يمتلك القدرات العلمية والذهنية في قطاعات اقتصادية متعددة.. ثم وبعد كل هذه المشاكل تأتي مخرجات التعليم لتكمل حلقة المعضلات حين يتم تخريج أعداد غفيرة من حملة الشهادات العليا، في تخصصات تشبّع منها القطاع الحكومي، وتقيأها القطاع الخاص.. من هذا المنطلق لابد أن يتم إجراء الدراسات الاجتماعية، وفرض القوانين الصارمة التي تجعل كل من يعيش على هذه الأرض، يتحمل مسؤوليته ويقوم بواجبه، ولا فرق هنا بين الخاص والعام، طالما القضية تهم وطناً، والمشكلة يشترك في تحملها الجميع، لأنها مشكلة ذات علاقة بالوطن وتأثيراتها لا تفرق بين هذا أو ذاك، أو ما بين خاص وعام، والنتائج السلبية للبطالة، تصيب المجتمعات بالأذى الاجتماعي، والشلل الاقتصادي، والانحلال الأخلاقي، والتخلف الحضاري بشكل عام. فالقوارب الاجتماعية لا تغرق، إلا عندما ينفرد القطاع الخاص بقراراته ويجدف بعيداً عن شؤون المجتمعات، ويحرك البوصلة بعيداً عن حراك الرياح الاجتماعية.. والقامات الاجتماعية لا تنحني إلا عندما تنكسر السواعد، وتتعرى الرؤوس، من ظلال الحماية والرعاية، ويصير القطاع الخاص مملكة متوجة، بحكم إرادة أصحابها، الذين أرادوا أن يخرجوا على القوانين والأخلاق الإنسانية.. وما الحل إلا تأسيس العلاقة بين الإنسان، وما يأكله ويشربه الذي هو من إنتاجه وعرق جبينه، وكذلك العلاقة الوطيدة، بين الخاص والعام، إضافة إلى تعليم قادر على مواكبة الأحلام الاقتصادية.