قبل أن أقص عليكم الموقف الذي مرّ بي منذ زمن سأعرف لكم معنى كلمة صلة الرحم وحكمها والوارد فيها من القرآن والسنة النبوية الشريفة، حيث تعني صلة الرحم الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم. وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إلى الأقارب، وقيل بل هي الإساءة إليهم. وعن حكمها فهي واجبة وقيل عن أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلَق، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول ـ تبارك وتعالى: أنا الرحمن الرحيم، وإني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن نكثها نكثه”. وتعريف الرَّحِم شِجْنَة أي عُرُوق الشَّجَر الْمُشْتَبِكَة. أتوقع بعد هذا التفسير المبسط أني عرفكتم بأن لصلة الرحم مقاماً ومنزلة كبيرين عند الله تعالى، ومن قطع أهله خسر أجراً كبيراً، فما بالكم لو كانت قطيعة الرحم للوالدين!؟ فمنذ ما يقرب الثلاثة أعوام كتبت موضوعاً عن أحد نزلاء دار المسنين في الدولة، ظناً مني أنني سأخدم الموقف وأحقق أمنية العجوز بعد أن تقطع قلبي لأجله، لما علمت أمره وقصته التي روتها لي موظفة تعمل بالدار التي يسكن فيها منذ 25 سنة، بعد أن ألقى به ابنه من إحدى إمارات الدولة، لكي يتولوا العناية به ويلقي عن عاتقه همه ويعيش حياته بهناء ورغد، ولما جلست مع المسن الذي شارف على الثمانين لأسليه وأخفف عنه، سألني ما إن كنت أعرف طريقة يصل بها إلى ابنه؟ ولا أنسى تلك النظرات الحزينة والنبرة الضعيفة التي أكاد أفهما عندما قال لي “أبغي أشوفه قبل ما يخذ الله أمانته”، حينها غصت الحرقة نفسي، وسألت الموظفة عن مشكلته وأخبرتني أنه “لم يأت أحد من أهله ولا ابنه لزيارته منذ 20 عاماً، وفي كل ليلة يهذي باسمه ويناديه ودموع عينيه لا تقف”. خرجت من الدار وتوجهت على عجلة إلى مكتبي وكتبت الموضوع، وبعدها بأيام قليلة جداً جاءتني مكالمة من أحد المتصلين وكان صاحب المكالمة هائجاً وحدة الغضب واضحة في صوته العالي، قائلاً “بأي حق تكتبين عن والدي بالجريدة ومن تكونين أنت بالأساس؟” ومن هذا الكلام الذي سمرني في مكاني ليس خوفاً منه بل استنكاراً لشخصه الذي توقعت أنه مجرد أن يرى صورة والده يحن ويأتي ليقبل يديه ويطلب منه السماح، وتذكرت عيني الرجل الطاعن في السن اللتين كانتا تنظران إلي بكل ترج، لكي يرى ابنه يحنو عليه ويضمه بعد تلك السنين متناسياً مرارة كل يوم يمر وهو يحترق من الشوق واللهفة عليه، لأجد شخصاً جاحداً لم تعرف الرحمة طريقاً لقلبه، وأخذت السماعة وأخرجت كل ما بي من قهر وغيظ وألم على حالنا الذي تردى، لمن ولم ولماذا كل هذه القسوة؟ هل أعمت قلوبنا الدنيا ومشاغلها هل نسينا الألم والحرمان والتعب والمعاناة التي قاساها أهلنا من أجلنا لكي نعيش حياة رغدة؟ تحجرت في فمي الكلمات فلم يكن لي عزاء سوى حسبي الله ونعم الوكيل،.. Maary191@hotmail.com