قد يكون الحسد مفهوماً شائكاً ومعقداً يختلط أحياناً كثيرة بالأوهام والشعوذة، ولكنه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، وقصص الحسد لا تعد ولا تحصى، من التاريخ الماضي، أو الحاضر المعاش، ويكاد لا يوجد أحد منا إلا ومرّ أو عايش الحسد والحساد، والحسد قديم عند العرب وغيرهم، وحتى العاشقين لم يسلموا من سهام الحاسدين، فقد كان حُسّاد المحبين يتربصون بالعشاق ليحسدوهم على نعمة الحب التي يعيشونها، فهؤلاء الحاسدون، لا شيء في قلوبهم غير الحسد. جاءنا ذات يوم أحد الأصدقاء بمنديل فيه رمادٌ وقال: أترون ما هذا الرماد؟ إنهما قرطان من الذهب أحضرتهما هدية لزوجتي، وقد لبستهما في حفل ضم واحدة من المقربات وهي من ذوات العين «الحارقة الخارقة» فلم تستطع هذه الحاسدة كتمان إعجابها وحسدها للقرطين، وحال عودة زوجتي للبيت خبأت القرطين في صندوق الحلي والذهب، لتفاجأ في اليوم التالي بالقرطين وقد تحولا إلى هذا الرماد الذي تشاهدونه! قلت للصديق: احمد الله يا رجل على أنها لم تصب زوجتك نفسها بالعين، وإلا لكانت هي الرماد الذي بين يديك! من الناس -وللأسف- من ينظرون لأصحاب النجاح بعين الحسد، فلا يحلو لهم نجاح أحد، كائناً من كان، لا عمل لهم إلا توجيه سهام النظرة النابعة عن نفس لا تحب الخير للناس، فلا يتركون الآخرين في حالهم، يزرعون الشوك في طريقهم، يحسدونهم حتى على لقمة كسبوها بعرق جبينهم، وعلى خير جاءهم بكدّ يمينهم، أو رزق ساقه الله إليهم. في عملك تجتهد وتعمل بكد وإخلاص وتفان، ولكن لابد من وجود أعداء حاسدين، يضعون «العصي في الدواليب» لإعاقتك عن السير والوصول للنجاح، يجاهدون ويجاهدون في سبيل إعاقتك، وإن لم يقدروا عليك رموك بسهام أعينهم الحاسدة، كارهين الخير لك على الرغم من أنك لم تضرهم في شيء! هم في دواخلهم فاشلون، ولا سبيل أمامهم لتبرير فشلهم في تحقيق النجاح، إلا بالحسد، النار في قلب الحاسد تتأجج دوماً وفي النهاية لابد أن تحرق صاحبها. أصحاب النفوس الحاسدة مرضى، لأنهم ببساطة لا يحبون الخير لأحد، وهم على غير الفطرة، فالإنسان السوي لا يهنأ بالخير إن لم يهنأ الآخرون به، فكل خير يصيب أخاه هو خير له. الحَسَدُ لغةً هو تمني زوال النعمة حَسَدَه يَحْسِدُه ويَحْسُدُه حَسَداً وحَسَّدَه إِذا تمنى أن تتحول إِليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو؛ قال الشاعر: وترى اللبيبَ مُحَسَّــداً لم يَجْتَــرِمْ شَــتْمَ الرجــال، وعِرْضُـه مَشــْتومُ يقال: حَسَدَه يَحْسُدُه حُسوداً؛ وبعضهم يقول يحسِده، بالكسر، والمصدر حسَداً، بالتحريك، وحَسادَةً. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا حسد إلاّ في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله قرآناً فهو يتلوه. قال الطغرائي: جاملْ عدوَّكَ ما اســتطعتَ فإنـهُ بالرِفْقِ يُطْمَـعُ في صــلاح الفاسـدِ واحذرْ حسودَك ما استطعتَ فإنه إن نِمْتَ عنـه فليـسَ عنـك براقدِ إن الحســــودَ وإن أراكَ تـــــوَدُّداً منــــه أضــرُّ مـن العــدوِّ الحـاقدِ ولَربَّمــــــا رَضِيَ العـــــدوُّ إِذا رأى منك الجميلَ فصـــار غــيرَ معاندِ ورِضــا الحسـودِ زوالُ نعمتِكَ التي أُوتِيتَهـــا مــــن طَــارفٍ أو تالــدِ فاصْبِرْ علــى غَيظِ الحسـودِ فنـارُهُ ترمي حشـــاهُ بالعــذابِ الخـــالدِ أو ما رأيـــتَ النــارَ تأكلُ نفســها حتــى تعــودَ إِلى الرَّمــادِ الهامــدِ تصفو على المحســود نعمـــة ربِّهِ ويــذوبُ من كَمَدٍ فــُؤادُ الحاسـدِ