في كل يوم نفجع بمن يدهسون ومن يذهبون ولا يعودون لأسباب مختلفة ومتعددة أهمها السرعة، أو الإهمال، أو الغفلة. “عمر” طفل ذو سبع سنوات، يرقد الآن في العناية المركزة بمستشفى خليفة بعجمان، تحت عيني أمه المكلومة وعناية الله.. أمر مفزع أن ترى أماً تقف في مواجهة سرير يرقد على فراشه فلذة كبدها، وهي لا تملك غير الدعاء والطلب من الرحمن الرحيم أن يعيده لها معافى مشافى.. أم عمر التي تذرف الدمع مدراراً تقول إن عمر هو وحيدها الذي انتظرت مجيئه بعد عناء سنوات، واليوم تعاينه بعين اللوعة وبقلب مفطور، وعقل لا يملك غير انتظار ما ستسفر عنه الأيام.
وإذا كنا نشاطر هذه الأم المعتصمة بحبل الله منتظرة الرحمة من رب العالمين، فإننا على يقين بأنه ما من حادث مؤلم، إلا ووراءه تصرف يؤدي إلى الفواجع.. الكثيرون يقولون إن هذا قضاء وقدر، ولكن القدر أيضاً أوصانا ودعانا بألا نرمي أنفسنا إلى التهلكة، فلا يجوز أن يسير قائد سيارة، بآلته المدمرة، وبأسها الشديد وكأنه يمشي وحيداً ولا أحد يشاطره الطريق، ولا يجوز أبداً أن ندع أبناءنا عرضة للأخطار بأن نفرد لهم أجنحة الضراعة ونتركهم يهيمون في الطرقات، هؤلاء الأغصان الغضّة أمانة في أعناقنا ونحن الذين نُفرّط في ردعهم، ونُفْرِط في إمتاعهم، أطفالنا أعز ما نملك وعندما نفقدهم لا يفيد الندم.
بقلوب متعاطفة إلى حد الأسى على “عمر” الطفل الذي نتمنى له الشفاء العاجل وعودته إلى ذويه في أقرب وقت، فإننا نرفع أيدينا ضارعين إلى الله تعالى بأن يشفيه، متمنين من كل العائلات أن يرأفوا بهذه البراعم وأن يحفظوها من الانزلاق إلى طرقات الخطر، هؤلاء الصغار ليسوا أبناء لأمهاتهم وآبائهم فحسب، بل هم أبناؤنا جميعاً لأنهم أبناء الوطن الذي يحتاج إليهم أحياء أصحاء وبلا مكروه، لأنهم سواعد المستقبل، وبناة الغد، والإشراقة التي تملأ عيوننا عندما نراهم في سن الريعان، والشباب اليافع.. فارحموهم واحموهم من شرور الطريق بروادع لا تحبط ولا تفرط في المنع، نبهوهم والفتوا أنظارهم إلى نشاطات لا تضرهم وتنفس عن طاقاتهم.. أبناؤهم أبناؤنا، أبناء الوطن احفظوهم يحفظكم الله من دموع الحزن وآهات الفقدان، وينبغي على كل أب وأم أن يتذكر مأساة أم عمر، ليعرف جيداً مدى مرارة أن يرى إنسان ابنه مسجى على سرير الأسى ولا يستطيع أن يقدم له ما يعينه.. وهُناك كوارث كثيرة تقع في كل يوم يذهب ضحيتها شباب في عمر الزهور، ولا يخلفوا غير الحسرة في قلوب محبيهم.. يجب أن نتعظ وأن نستفيد وأن نوسع من حدقة العين حماية لهؤلاء الأحبة.


marafea@emi.ae