بالمصادفة البحتة، أهداني صديق كتاباً –الحقيقة أنه كتيب صغير جدا– قبل مغادرتي للعمل وأنا في طريقي إلى مكان قرر أصحابه الاحتفال فيه بيوم الحب، فعلقوا القلوب الحمراء التي أخذت تتدلى فوق رأسي أثناء انتظاري للخدمة من هذا المكان، ولكي أنشغل عنها بدل التفكير بصاحب هذا القلب البائس، سحبت الكتيب من حقيبتي وبدأت أتصفحه لأستغرق في الضحك بطريقة مريبة شككت من حولي في سلامتي العقلية. لقد فوجئت بالكاتب يتحدث عن الرجل في حالة “الحب الأول” بطريقة ساخرة، وبعين المُحب الذي خاض تجربته البكر؛ يسرد الكتاب كذلك حالات الحب المتشابهة –مع اختلاف سيناريوهات تفصيلية- منذ انطلاق الشرارة الأولى، وخلال السرد المضحك المبكي لا يغيب عن ذهن الكاتب اعتزازه ونشوته بتلك الحالة، كونها الرصيد الأول من الفرحة والنجاح والتحقق لأي رجل، لدلالتها على اكتمال الرجولة، وتأكد رغبة الآخر به مهما كانت عيوبه. أعتقد أن كاتباً كهذا نجح في اكتشاف حب “ثلاثي الأبعاد” قد يصبح فيما بعد مدرسة جديدة للمحبين. احد أبعاد هذا الحب “الثلاثي”، المتعلق بقدرة المحب –رغم فوات الحب- في جلب طاقة خلاقة لإعادة اختراع الذات، والنظر إلى الحياة بطريقة مختلفة، والاعتبار من الخبرة لإحداث تجربة جديدة قد تكون أكثر نضجا، أو أقل، المهم القدرة على العودة لنقطة الصفر، حيث البدايات الجديدة. البعد الثاني من الحب ثلاثي الأبعاد، الذي يمنح قدرة النظر للحب كفكرة أعمق من مجرد علاقة ما بين رجل وامرأة، والانتقال لمرحلة النظر إلى عظمة وتعقيد وقدرة الأشياء التي لا نملك أن نراها في تلك الفترة من الحب، أشياء تثبت كم نحن رائعون وأقوياء قادرون على منح الحياة. أما البُعد الثالث المتعلق بالطريقة التي ننظر للحب بها، طريقة تشبه حالة الكاتب الذي حول ذكرياته إلى عمل إبداعي يستدعي به ضحكات المحبين على أنفسهم بطريقة لذيذة، ينصهر فيها الحنين إلى تلك الفترة والغضب من فواتها، والسخرية لسذاجتها في الوقت ذاته. هذا عن اغلب المحبين من الرجال، أما المُحبات من النساء، فلايزال الحب لأغلبهن لم يتطور في استخدام تقنية “ثلاثية الأبعاد”؛ فنمط الحب التقليدي لديهن لا أبعاد له، أنه من النوع الذي يستدعي الألم والحسرة والكآبة والندم وخليط عجيب من المشاعر البائسة التي لا ينتج عنها سوى إنسان يملك قلبا يشبه تلك المتدلية التي كانت معلقة في المحل. السعد المنهالي Als_almenhaly@admedia.ae