صحوت صباحاً وبي قلق وانزعاج بسبب ما تركته صيانة المنزل من فوضى في الغرف والممرات وإهمال العمال في تجميع المخلفات ورميها.. ولأني وحدي، فقد طلبت من أختي إحضار إحدى شغالاتها لمساعدتي. فأحضرتها مساءً وقمت بمساعدتها في ترتيب بعض الفوضى وإرشادها إلى ما يمكن أن تقوم به لتنظيف المنزل. صحوت صباحاً إذن في التاسعة كعادتي، وحين فتحت عيني ظننتني أحلم أو أنني لست في بيتي هذا. لكني نهضت وأنا في حال من الدهشة والبهجة معاً. واتجهت إلى المطبخ لتحضير فنجان قهوتي الصباحية فرأيت سميرة الإثيوبية بابتسامتها الخجلى تمد يدها إلى إبريق الماء مرفقة فعلها بقولها “خلي ماما. خلي أنا.. أسوي قهوة لك” قلت لها وبي إحساس مفعم بالامتنان: لكني أحب أن أحضر قهوتي بنفسي. فلم تقتنع وحضرتها لي بمواصفاتي. تجولت في أرجاء البيت وأنا مسكونة بالذهول والامتنان معا. كيف حدث أن تراجعت الفوضى واختفت الأوساخ والمهملات في زمن قياسي بينما كنت نائمة؟! فقلت هذا هو فضل الخدم على الحشم! ومفهوم الحشم في المعاجم العربية متناقل عن لسان العرب ويعني في ما عنته في جذر الكلمة: حَشَمُ الرجل أَيضاً: عياله وقرابته. أما الأَزهري فيرى أن الحَشَم خَدَمُ الرجل، وسُمُّوا بذلك لأنهم يغضبون له. والحُشْمَةُ، بالضم: القرابة. يقال: فيهم حُشْمَةٌ أَي قرابة. وهؤلاء أَحشامي أَي جيراني وأَضيافي. أما معنى الخدم فإنه لا يختلف باختلاف الأزمنة: فخدم: الخَدَم: الخُدَّمُ. والخادِمُ: واحدُ الخَدَمِ، غلاماً كان أَو جارية؛ وتَخَدَّمْتُ خادِماً أَي اتخذت خادما وفي حديث فاطمة وعليّ، عليهما السلام: اسأَلي أَباكِ خادِماً تَقِيكِ حَرَّ ما أَنتِ فيه؛ الخادِمُ: واحد الخَدَم، ويقع على الذكر والأُنثى. هكذا يمضي المعجم في التأويل والتعليل وسوق الأمثلة لكنه لم يعرف الخدم بأنهم عبيد وأرقاء، كما جرى ويجري بالأمس واليوم من عسف وقهر وقسر وعنف وحشي (مع الاعتذار للوحوش) ضد خدم المنازل الذين انتشروا كالهواء في كل بيت، وأقول الهواء لأعني تماما ضرورة هؤلاء البشر في حياتنا.. هولاء الذين غادروا أوطانهم تاركين الأقرباء والأولاد من اجل كرامة عيش ويسر مادي أفضل ومع ذلك فإن ثقافتنا التي نسجت من الاستبداد واحتقار الآخر بأسباب لا حصر لها، تجعلنا إلى اليوم ورغم انتشار التعليم ومدونات حقوق الإنسان، (خدماً كانوا إناثاً أم ذكورا) أو حشما(!) لا نفرق بين استعباد البشر بالأمس وتوظيفهم لمساعدتنا اليوم. وحوادث العنف ضد المستخدمين التي تنقلها لنا أجهزة الإعلام تشعرنا بالخجل من كوننا بشراً مثلهم أيضاً! مر بي كل هذا وأنا أحدق في سميرة، ففتحت ذراعي واحتضنها فبادلتني الحضن بامتنان متبادل بيننا. وراحت مبتسمة تضفي على البيت رونق النظام وإشراق النظافة! ثم.. ماذا عن أطفالنا الذين ينشأون بين يدي من نسميهن مربيات(إعلاء لمكانتنا الاجتماعية ليس إلا..) ونعاملهن بذات العنف والتحقير كخادمات وفق المفهوم المتدني! hamdahkhamis@yahoo.com