الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مورنينج جلوري»: يؤكد أن التلفزيون تحول إلى قضية تعرض نفسها على الفن السابع

«مورنينج جلوري»: يؤكد أن التلفزيون تحول إلى قضية تعرض نفسها على الفن السابع
20 يناير 2011 20:21
أن تدعونا السينما الى ضيافتها من باب التلفزيون فتلك مفارقة لا يسهل تجاوزها او التغاضي عن مدلولاتها، إذ لطالما هي صُنفت كشقيقة كبرى لذاك الجهاز المتواضع المركون في زاوية المنزل، والقانع بدور النسخة المقلدة عنها، أو الوسيلة المتواضعة للتذكير بها، فإذا حضرت، بوصفها العنصر الأصيل في اللعبة المشهدية، تحول البديل إلى لزوم ما لا يلزم.. تحولات العصر أثبتت حضورها، وبين تداعياتها الأبرز مكانة مميزة للتلفزيون الذي شهد تغاضياً مؤلماً قبلها. في فيلم morning glory سيكون علينا أن ندلف إلى عالم السينما عبر استوديو تصوير لأحد البرامج التلفزيونية الصباحية، والواقعة بمثابة حدث تشير تداعياته الأولى إلى أن التلفزيون، في زمن انتشاره وتفاقم حضوره، أمكنه التحول إلى قضية تفرض نفسها على لائحة اهتمامات الفن السابع، هو إعتراف إذن بمفصلية ما بات ينطوي عليها الجهاز الذي وصف بالسحري يوماً، وهو أيضاً إقرار بتطور فاعل ومؤثر في بنيته الوظيفية، بما يعني أنه لم يعد مجرد وسيلة للتسلية وتمضية الوقت، وإنما صار يمتلك من الفعالية ما يبرر وضعه في دائرة الاستهداف السجالي.. كبر الأخ الأصغر حتى غدا مؤهلًا لأن يفرض نفسه على شقيقة كبرى لم تجد نفسها معنية به يوماً، وتلك نقطة تتجاوز حدود المقاربة العابرة نحو التكهن بنتائج وتداعيات مستقبلية.. أبعد من حكاية قد لا يكون بعيداً عن المشروعية الاتكاء على الهوية المهنية لمخرج الفيلم، البريطاني روجر ميشال، بوصفه أحد القادمين من عالم الإخراج التلفزيوني نحو الشاشة الكبيرة، للإيحاء بأن القضية المثارة تنطوي على بعد شخصي، وبكوننا أمام تجربة فردية يطرحها صاحبها على بساط البحث الجماعي، لكن الزعم لا يستقيم في مواجهة نقيض له اكثر إقناعاً مفاده أن مهنية الرجل واحترافيته لابد لهما أن تحكما خياراته بصورة قاطعة، وأنَّه بالتالي لم يكن ليقدم على أمر مماثل لو لم تدفعه نحوه قناعة مبنية على خبرة ومراس تولت رسم مساره العملي، فالبديهي أن المعيار الذي يملك فرصة الحسم هنا هو مقياس النجاح أو الفشل، وليس هاجس البوح بأي ثمن.. أي أن روجر، عندما قرر صناعة فيلم سينمائي يستوحي التجربة التلفزيونية ويدور في فلكها، كان ينطلق من اصغاء مستوعب لمحورية تلك التجربة، أكثر مما كان معنياً بسرد حكايته الخاصة معها.. صراع مع الأسطورة تنطلق بنا الأحداث من المنتجة التلفزيونية بيكي فولر (راشيل ماك ادامس) بينما هي في ذروة تفاؤلها المهني، وعندما تدخل مكتب مدير المحطة بناء على استدعائه تكون مهيئة لسماع أنباء طيبة، لكنها تفاجأ بقرار الإستغناء عن خدماتها.. عملية بحث سريعة عن عمل تؤدي بها لأن تصير منتجة لبرنامج اخباري صباحي يهتم بالتفاصيل اليومية، في محطة أقل شأناً، ويكون فريقها حشداً من المذيعين الذين تتفاوت قدراتهم، لا تجد أمامها مناصاً من طرد أحدهم لتدني سويته السلوكية، ويتعين عليها أن تجد بديلاً دون أن تحمل الشركة أعباء مادية ليست في حسابها.. عملية البحث المحترف قادتها نحو مايك ميرابوي (هاريسون فورد)، الرجل يتربع فوق عرش من الانجازات المهنية التي جعلت منه أسطورة تلفزيونية تعاون الزمن والظروف على الغاء مفاعيلها. كان يجري التعامل معه بوصفه نجماً سابقاً يستحق التعاطف بعد تعطل قدرته على الانجاز، وتخلي محطته السابقه عنه، وانتقاله إلى المحطة الجديدة كلاجىء مهني يستمد مكانته من ثراء ماضيه فقط، في حين كان الفراغ والجدب يسيطران على الحاضر، أما المستقبل فلم يبد أن الرجل الذي يتقدم به العمر حثيثاً نحو أرذله كان معنياً به.. على هامش العمر ما يمكن رصده تحت خانة المفارقة هنا ان هاريسون فورد نفسه، الممثل المخضرم صاحب الحضور الدافىء والقدرة المدهشة على إقناع المشاهد، كان في غالبية مراحل الفيلم، خاصة الأولى منها، أقرب الى مايك الذي الذي جسد دوره، لناحية التهميش وتواضع الحضور وغياب الفعالية، في حين بدت راشيل ماك آدامس فائقة التألق والتأثير، حتى لكأن الفيلم صنع خصيصاً لها، وجاءت مواصفاته موافقة لمقاييسها، وان كان بالإمكان تبرير المسألة استناداً إلى مقومات العمر والطاقات الانثوية التي تمتلك غالباً فرصة تزخيم حضورها في أي عمل مرئي، فإن النقاش يأخذ طابعاً مختلفاً مع التنبه إلى رحابة المساحة التي أتيحت لزميلة مايك في تقديم البرنامج الصباحي، (ديان كيتون)، حيث أمكنها أن تكون شريكة بمواصفات كاملة وفاعلة في العمل، بالرغم من تجسيدها لدور ملكة جمال سابقة تتحايل على فعل السنين بسلوك عبثي لا يعوزه الصخب... إعجاب طفولي لقاء عابر في المصعد جمع المنتجة التلفزيونية بيكي مع نجم الأخبار مايك أبدت الأولى خلالها اعجاباً طفولياً بالنجم التلفزيوني السابق، لكن مشاعرها الصريحة لم تنجح في إخراج الرجل عن وقاره الاحتجاجي على سلوك الزمن حياله، بعد ذلك سيكون على بيكي أن تخوض صراعاً متعدد الأوجه مع بوميراي لتقنعه بالعمل تحت إدارتها، وإثر فشل المحاولات الودية ستلجأ إلى ثغرة تضمنها عقد عمله مع المحطة تلزمه بالانصياع لرغبتها، طبعاً ثمة مجال هنا للتوقف عند ما تنطوي عليه النفس البشرية من تناقضات معبرة: الفتاة المعجبة بتجربة ثرية لرجل خذلته السنين، سنراها تبدي رغبة شرسة في استكمال ما فعله الزمن به، الأرجح أن الفرصة تبدو هنا مغوية وعصية على المقاومة: فرصة أن نخضع لرغبتنا من كان إلى وقت قريب، يمثل بالنسبة لنا قدوة ومثالاً. صورة لايعوزها الإيضاح: هي لحظة مؤاتية لقتل الأب الروحي.. صراع ضروري منظر الاجتماعات اليومية التي تترأسها بيكي ويحضرها مايك ستكون بالغة التعبير: ذروة الحيوية لدى المرأة الواعدة والموعودة بتألق قادم، تقابلها قمة الصمت المعبر عن الأسى الكامن في أعماق الرجل العائد لتوه من حكاية مجد زائفة، ستبدو ملامح مايك عابقة بالوحشة، في حين سيرتسم فوق قسمات الأنثى الكثير من تباشير الفوز.. هو صراع حقيقي، ومشروع أيضاً، لا يخفف من حدته أنَّه يدور بين معجبة ومعجب به، ولا يحد من تأثيره كونه يجري على خلفية من الرقي السلوكي، وراء الكلمات المهذبة التي توجهها بيكي توجهها لمايك كان يمكن رصد الكثير من الرغبة في الانتقام، نزعات بشرية فائقة الغنى تمكن الفيلم من تأطيرها على خلفية نجحت في اصطناع الحياد والموضوعية، في حين أنها كانت أبعد ما تكون عنهما. بداية سيبدي مايك الكثير من التحفظ عن الدخول في مناكفات مع المنتجة التي ساقتها الظروف لتكون رئيسته في العمل، كما لو أنَّه يضن عليها بشرف خصومته، وفي اللحظات الحرجة التي تتمكن خلالها بيكي من تسجيل الفوز عليه بالنقاط، سيتخلى بوميراي عن حصانته الصامته ليصرخ في وجه القادمة من عثرات الزمن: «لقد حزتُ كلَّ الجوائز التي يمكن لمقدم تلفزيوني أن ينالها.. أنقذتُ (وزير الخارجية الأميركي الأسبق) كولن باول من سيارة محترقة.. مسحتُ وجه (الداعية الإنسانية) ماريا تيريزا بخرقة قماش.. تناولتُ العشاء مع (نائب الرئيس الأميركي السابق) ديك تشيني.. وها أنت تطلبين مني تقديم فقرات المطبخ»!! تقشف ضوئي لا يبدو مخرج الفيلم معنياً بعرض عضلاته التقنية في سياق العمل، هو يكتفي ببعض الإشارات الدالة إلى خطورة دورة التلفزيون وخصوصية مؤثراته، متوقفاً عند وجود لغة تلفزيونية خاصة لا تسري عليها قواعد الكلام المألوفة، فعندما تتلقي بيكي تأنيباً من رئيسها بسبب تراجع مستوى المشاهدة ستلجأ إلى عنصر الإثارة بحثاً عن وسيلة لضخ الأدرينالين في أذهان مشاهديها، حيث سترسل أحد مراسليها المطيعين، هو يطلق عليه لقب الدمية لفرط التزامه بتعليمات رئيسته، ليقوم بتغطيات مثيرة تتضمن السخرية في بعض مفاصلها، حديقة الملاهي مثلاً، مراكز الوشم أيضاً، وغيرها من الأماكن التي لا تخطر بالبال، شعار التلفزيون واضح في هذا السياق: المطلوب اجتذاب المشاهدين بأي ثمن، وبغض النظر عن مشروعية الوسيلة.. ما عدا ذلك يبدو الحوار سيد الموقف، يدور معبراً على ايقاع سريع لحركة الكاميرا المتنقلة بانسياب وسهولة، في حين أمكن تسجيل غياب ملحوظ لعنصر الإضاءة، وما يستطيع أن يشي به من إيحاءات متنوعة. كلام على الشاشة: لقد آمنتُ بكَ كمثل أعلى.. حفظت تقاريرك وبرامجك عن ظهر قلب.. تابعت كل همسة تفوهت بها على التلفزيون.. فإلى كم من صفعات الخيبة أحتاج حتى أصدق أنَّك بهذا السوء؟!! (بيكي صارخة في وجه مايك) تحولات مباغتة إذا كان ثمة ما يستحق التأطير في رسالة الفيلم فهو ذلك الإظهار المدروس لخفايا النفس البشرية على صفحات الشاشة، خلف الصراع يكمن أحياناً ربما غالباً، قدر من الود الملتبس، أو لنقل أنَّ حاجة الناس إلى خصوم لا تقل عن رغبتهم في أن يكونوا محاطين بالمحبين.. اعتماداً على هذا التحليل وحده يمكن تفسير التحولات المباغتة التي كان على المشاهد للفيلم أن يحللها في اللحظات الأخيرة: نجاح بيكي في اثارة اهتمام المشاهدين جعلها محط اهتمام المحطات المنافسة، وبعد أن فقدت الأمل من إمكانية تعاون مايك معها، قررت قبول العرض، كانت تخوض نقاشاً مع القيمين على محطة جديدة، وتنظر إلى الشاشة أمامها عندما لاحظت اختفاء مايك من البرنامج الذي يقدمه مع زميلته. بعد لحظات قليلة أمكنها أن تراه يدرب المشاهدين على وسيلة لتحضير العجة، الموقف الساخر كان يعكس رسالة بالغة الدلالة والجدية: أوافق على شروطك!! وكان أن تراجعت بيكي عن استثمار فرص النجاح!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©