يتشابه بعض الناس مع القنافذ في سلوكيات كثيرة، فلهم الأشواك نفسها، التي إذا ما وجهوها لك، فإن شرَّ وخزتها لا يمكن نسيانه، هذا إذا أبقتك الوخزة على قيد الحياة، والقنفذ جبان يختبئ عند الضرورة، وكثيرون يختفون عندما تشعر بأنك بحاجة إليهم، لكنهم يظهرون كسرعة البرق إذا ما احتاجوا إليك، وهي كائنات براجماتية «مصلحجية»، لكن هذه السمة ليست سيئة بالمطلق، حتى وإن ارتبطت في أذهاننا بتوجه فكرى قائم على النفعية والفردانية السيئة، التي لا يرى صاحبها من الدنيا سوى مصلحته فقط!!
يُحكى أن مجموعة من القنافذ عاشت في مكان واحد، وفي فصل الشتاء حين تعاني البرد الشديد، كانت تقترب - فطرياً - من بعضها البعض، وتتلاصق طمعاً في الحصول على الدفء؛ لكن أشواكها المدببة شكلت عائقاً كبيراً، فابتعدت عن بعضها فآلمها البرد القارس، فاحتارت القنافذ ما بين ألم الأشواك المدببة إذا تلاصقت، وعذاب البرد إذا ابتعدت، فوجدت في النهاية أن الحل الأمثل هو البقاء متقاربة، ولكن على مسافة محددة لا تزيد ولا تنقص، بحيث يتحقق الدفء والأمان مع أقل قدر من الألم ووخز الأشواك، فاقتربت لكنها لم تقترب الاقتراب المؤلم، وابتعدت لكنها لم تبتعد الابتعاد الذي يفقدها أمانها الدافئ.
وهكذا يفترض أن نفعل جميعاً في دنيا الناس؛ أو بعض الناس على الأقل، فهؤلاء البعض كالقنافذ، يحيطون أنفسهم بأشواك غير منظورة ، لكن وخزها سرعان ما يبدو مؤلماً جداً، خاصة لأولئك الذين يقتربون أكثر مما يجب أو يقتربون من دون داعٍ أحياناً أو يقتربون من دون حذر، البعض يصيبنا سريعاً من دون سابق إنذار، لأننا انخرطنا معهم بغير حساب، وتفاعلنا معهم بنوايا بريئة أكثر مما ينبغي.
ربما من الذكاء أن ننظر في سلوك هذه القنافذ، ونحن ننعى حظنا في صداقات وعلاقات ومعارف لا نتذكر منها سوى الجحود، فالقنافذ تبدو حكيمة جداً؛ وهي تعلمنا أننا حين نقترب من البعض، فإن علينا ألا نندفع كثيراً وألا نصدق كل شيء، على اعتبار أن ليس كل ما يلمع ذهباً!!
إن الحياة بلا أصدقاء وزملاء ومعارف تبدو كئيبة ومملة وفارغة، فحتى أنبياء الله سألوا الله الرفقة، وألا يتركهم وحدهم يواجهون مرارات الدنيا، نقترب من أصدقائنا لنتشارك معهم لحظات الفرح والأوقات الصعبة أيضاً، لا بأس في هذا .. إنه سلوك إنساني طبيعي يظهر تلك الطبيعة القديمة جداً في الإنسان، كونه كائناً اجتماعياً بامتياز، يرغب دائماً في الرفقة وأن يكون له صفوة من الأصدقاء المقرّبين؛ لكن بشكل عام، يجب - لكي نعيش في سعادة - أن نحذر من تطبيق قواعد وسلوكيات العلاقات الحميمة مع الجميع، فهذا قد يعود علينا بآلام وهموم نحن في غنى عنها.
لنحذر من أن تكون بوابات قلوبنا مشرعة دائماً بلا مفاتيح ليل، نهار، فساعتها قد يتسلل قنفذ بأشواك سامة إلى فناء القلب، وقد يصيبه بضربة قاتلة.


ayya-222@hotmail.com