لفت نظري مقال أرسل إلي عبر البريد الإلكتروني يقال أن كاتبه مهندس بريطاني، عاش وعمل طويلا في دول الخليج العربي، وحين عاد إلى وطنه كتب عن تجربته في بلدان الخليج مقالا نشر في صحيفة التايم اللندنية بعنوان “هذا هو الخليج” فيه الكثير من العنصرية والتهكم على كل شيئ في الخليج بدءا من المكالمات الهاتفية المجانية (ياريت تكون مجانية) وانتهاء بالوقوف في طوابير لمدة 4 ايام متواصلة (هذه أغرب تهمة) الاغرب أن الكاتب وبعد مضي 33 عاما على وجوده في مدن الخليج لم ير أو يشاهد أمرا إيجابيا واحدا يستحق التقدير أو الاعجاب وهو أمر مثير للاستغراب فعلا. فاذا كانت الحكمة ضالة المؤمن فان الموضوعية ضالة الكاتب أينما وجدها فهو أحق بها، لأنها الطريق الوحيد لايصال الحقيقة للناس، فالقول بأن هذه الدول لا تجد فيها أمرا واحدا يسير بشكل منطقي قول غريب جدا، أما أن يكون الدليل على عدم المنطقية انعدام وجود النساء في الطوابير فهذا هو العجب العجاب حقيقة، ذلك أن تقدير الناس للمرأة في الخليج ثقافة وليس سيرا في الاتجاه المعاكس، ومن عادة الرجال عندنا والموظفين بشكل عام ممن يقدمون الخدمات للناس في الشركات أو المؤسسات أو الدوائر على اختلاف خدماتها أن يقدموا النساء على الرجال أو يخصصوا لهن طابورا خاصا لأسباب معروفة، انها ثقافة مجتمع محافظ ومسلم وعربي ومعاملة النساء بهذا الشكل هو نوع من الخصوصية وليس سيرا بعكس الاتجاه! القول بأن السير في الشارع يتم بالطريقة التي رسمها الكاتب أي أن الناس تسير بعكس اشارات المرور، أو أن الاشارات وضعت للأجانب فقط وليس للمواطنين، قول فيه تجن ليس على المواطن الخليجي بل على الحقيقة نفسها وهو كلام مرفوض تماما، فإن حدث في مواقف معينة أو في مناطق محدودة فلا يعني ذلك بأننا في الخليج نعيش في غابة أو نسير بلا قانون وبلا نظام وعلى غير هدى، صحيح أن لدينا نسبة حوادث عالية لكن هذه لها أسباب ترتبط بفئة الشباب المتهور وليس بمواصفات الشوارع التي تعد عالمية بكل المواصفات وأنظمة السير لا غبار عليها والقانون يطبق بحذافيره وبصرامة أيضا !! يقول الكاتب أيضا واصفا اهتمامات ومشاغل الناس في الخليج بأن “الاستعراض بالسيارات والملابس والعطور والهواتف النقالة هو الشيء الوحيد الذي يجيده الناس “لا ننكر وجود هذا السلوك الاستهلاكي الاستعراضي لدى عدد كبير من الناس في مجتمعات الوفرة والرفاهية، ولكن هذا ليس ما يجيده الناس في الخليج فقط، فالناس تعلمت ونالت أعلى الدرجات العلمية، وشاركت في بناء وطنها في كل مجالات العمل الابداعي والتطويري والاقتصادي، كما واشتغلت في أرقى وأكبر المراكز والمشافي في أوربا والعالم، انه من الظلم تطبيق نتيجة ملاحظة عابرة أو مشاهدة سلوك عينة أو شريحة عمرية محددة وتطبيق نتائج ذلك على مجتمعات بأكملها. نحن لا ندافع، فقد مللنا موضوع الدفاع عن ذاتنا الحضارية وأنفسنا كأفراد ومجتمعات، مللنا موضوع الفوقية والدونية والاحكام المسبقة والصورة النمطية التي وضعنا فيها البعض، اننا اليوم نتساءل فقط بيننا كأبناء الخليج: هل الخليج فعلا مجرد استعراضات فارغة وخواء ثقافي وتفاهات وواسطات ومحسوبيات ونفط أرخص من الماء كما قال الكاتب البريطاني ؟