استوقفتني قصة قرأتها منذ فترة قصيرة واندهشت للرد الذي قرأته على الرغم من قصرها واختصارها، لأنها تلامس وتحاكي واقعنا الذي عاشه الكثيرون قبلنا وسيعيشه كل واحد منا، ومن القصة التالية ستعرفون عما أتحدث.. «دهش الطفل الصغير من هذا الصوت الذي سمعه للمرة الأولى يداعب أذنه حينما وضع ساعة أبيه الكبيرة على أذنه المنمنمة؛ فدقاتها المتلاحقة كانت حقاً مثيرة لفضوله، وما كان منه إلا أن فغر فاهه وحدق بعينيه الصغيرتين في حيرة طفولية ساذجة. وراح ينظر إلى الساعة تارة ويضعها على أذنه تارة أخرى، محاولاً استكشاف هذا السر العجيب، متسائلاً في نفسه: «ترى! ما هذا الصوت المنبعث من ساعة أبي؟» ولما لم يجد الصغير لسؤاله إجابة عند نفسه طار في خفة لأبيه لعله يجد لديه الخبر اليقين الذي به يشفي غليل إلحاح تساؤلاته، وقال لأبيه: «يا أبي استمع لهذا الصوت الذي وجدته في ساعتك. يا أبي ما هذا الذي بداخلها؟» فجاءت إجابة الأب على قدر ما هي بسيطة إلا أنها كانت مفاجأة للصغير؛ حيث قال له أبوه «يا بني: هذه سوسة تأكل عمرنا». هنا انتهت القصة، ولكن واقع الجملة الأخيرة كان له التأثير الكبير فيّ، لأنها إجابة منطقيه من ناحية، وواقع لابد منه من ناحية أخرى، لأن مهما طال الزمان وبقي، تظل النهاية واحدة مهما تغيرت الظروف والأسباب؛ فالعمر كالشجرة تتساقط أوراقها في كل يوم، ورقة تلو الأخرى، ومهما كان مقام الشخص، هناك كأس يتجرعه الكائن الحي، سواء كان فقيراً أو غنياً. وقيل لنوح عليه السلام: «يا أطول الأنبياء عمراً كيف رأيت الدنيا؟ قال: كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر»؛ وللأسف نحتفل في كل سنة بسقوط تلك الأوراق واختفائها من حياتنا، ونتمنى للبعض طول العمر على الرغم من أننا بالفعل نحتفل معهم بسقوطها في أعياد الميلاد؛ فهذه هي الدنيا مهما صنعنا فيها ستسير كالعجلة لا تقف لميلاد أحد ولا لغياب أحد، وتسير حتى يأذن الله تعالى لها بالفناء، وتكون مراحلها ما بين ولادة وشباب وشيخوخة.. فحوادثها كثيرة وعبرها غفيرة.. دول تبنى وأخرى تزول.. مدن تعمر وأخرى تدمر.. وممالك تُشيد وأخرى تُباد.. وهذه هي عجلة الحياة لابد أن يأتي يوم وتتوقف ساعة الوقت عن الحركة والدوران. Maary191@hotmail.com