“كلنا خطاؤون، وخير الخطائين التوابون”، قيمة دينية إنسانية زرعها الإسلام في ضميرنا كأسس للعلاقات التي تجمع أفراد المجتمع الواحد وكوقاية للإنسان وحماية له من التشرذم والتبعثر والتعثر في طرقات الحياة.
الدراسة التي أعدتها شرطة أبوظبي حول رعاية المفرّج عنهم من المسجونين تعد من مظاهر المشهد الحضاري الذي يعيشه مجتمعنا لأنه ما من مجتمع إنساني إلا وتوجد فيه بعض الظواهر الشاذة، هذه الظواهر التي تحتاج الى قيم اجتماعية عالية تستطيع أن تتصدى لها وأن تواجهها بالحكمة والحنكة والفطنة، لأنه عندما يخطئ الإنسان لا يعني أن ذلك نهاية العالم. ولا يعني ذلك أيضاً أن تقوم قيامته وينتهي الى لا شيء، بل إنه لابد من العقاب وبحجم الجريمة التي ارتكبها، ولكن هذا العقاب لا بد له من نهاية، ومقاييس موضوعية تنهي فعله لينتقل المسجون بعد ذلك الى واقع آخر، واقع يحترم آدميته، ويعيده الى صوابه ومحيطه الذي نشأ في ليستفاد منه كعنصر من عناصر المجتمع، واستثمار قدراته وطاقاته لأجل البناء وإعادة تكوين شخصيته بما يتلاءم مع الأخلاق الاجتماعية، ويتناسب مع قيم المجتمع.
فالمسجون إنسان قد يخطئ، وتصويب الخطأ له شقان، الشق العقابي، والآخر إصلاحي، والمجتمعات المتحضرة هي التي تقيم وزناً لأفرادها وتضعهم في ميزان الحسنات الأخلاقية سواسية.
والدراسات العلمية أثبتت أن أفراد المجتمع يمرون بمراحل تطور ونشوء قد تتخـلل هذه المراحل هنات وزلات، ووقوع الأشخاص في مهاوي الزلل لا يعني الحكم عليهم بالإعدام الاجتـماعي، ونفيـهم وإقصـاءهم من الدائرة الاجتماعية، بل إن من يـمرون بمرحـلة الأخطـاء هـم من أشد الأفراد الذين يحتاجون الى التوعية والمساندة لانتشالهم من الإخفاق النفسي والدفع بهم إلى خوض معترك الحياة بنفس رضية، عفية، قوية، والوقوف معهم في مواجهة المعضلات الاجتماعية وحمايتهم من أن تتلقفهم الأيدي الآثمة.
فالأخطار التي تواجهها المجتمعات تتركز في عودة المخطئين الى أخطاء أكثر فداحة، لأنهم يخرجون من غياهب السجون، ولا يجدون أمامهم غير الأبواب المسدودة والصدور الضيقة، والوجوه المكفهرة، الأمر الذي يدفعهم دفعاً الى مزيد من النقمة والاحتقان، ما يضاعف جهودهم في ارتكاب أفظع الجرائم.
المفرّج عنهم بحاجة الى فرص في الحياة جديدة، فرص في العمل، وفرص في ترتيب العلاقات الاجتماعية والأسرية، وفرص في إعادة صياغة الأخلاق والقيم الإنسانية، وفرص في تلوين الحياة بلون الزهر، وطعم الماء العذب، ورائحة العود والعنبر.


marafea@emi.ae