لم أشك لحظة وأنا أنظر لرقم الهاتف المميز جداً، الذي جاءني على هاتفي، في أنه من شخص مخطئ، ولكن ما حدث أنني بادرت بالاتصال فوراً بالرقم ظناً مني بأنه من أحد العاملين بسفاراتنا، أو من أحد الأشخاص المهمين خارج الدولة ممن تفرح وأنت تحدثهم، كما خطر ببالي أنه يمكن أن يكون من أحد الأصدقاء الأعزاء، وقد تبوأ منصباً سياسياً رفيعاً، بشغله منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في بلده، وقلت في نفسي على ما يبدو أنه هو، وهذا رقمه بعد الحقيبة السياسية الجديدة التي تسلمها، ولم يرن الهاتف كثيراً حتى جاءني صوت أجهش ضخم وبلغة عربية فصحى قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرددت بأحسن منها، وقبل أن أكمل وأساله عن شخصه، قال: الشيخ محمد، قلت “بلغته” لا يا أخي، قال: بلى أنت الشيخ محمد، بُشراك بُشراك، الخير كل الخير وصلك، فهنيئاً هنيئاً لك. هنا استوعبت الموضوع وعرفت أنه أحد النصابين، وليس ذلك السياسي الكبير، ولا أحد الأصدقاء المهمين بالخارج، ولا حتى فرّاش بأي سفارة من سفاراتنا، وحاولت مجاراته لأعرف ماذا يريد، ولم يأت في بقية المكالمة بشيء جديد، فقط كان يريد زف البشرى لي بذلك الخير الكثير الذي سيصلني عن طريقه، بعد أن رآني ورأى ذلك الخير الكثير الذي من المفروض أن يصلني، إذا ما أردت، ولا يدري أنني مازلت أسكن بالإيجار، ونصف الراتب يذهب للبنوك، والبقية الباقية بالكاد تفي بمتطلبات العيال وأمهم، ورغم محاولات الإغراء التي قدمها لي من خلال الملايين المنتظرة، إلا أنني لم أعر الموضوع أي اهتمام، وبعد قليل من الهرج مع ذلك المغفل أغلقت الهاتف.
وقبل أيام جاءتني رسالة نصية عبر هاتفي المتحرك يخبرني فيها”مستر جوردن إريك” بأنني جهاز الحاسوب لدى شركته العالمية و المتخذة من المملكة المتحدة مقراً، اختارني لأكون صاحب الحظ السعيد هذا الشهر، ويسعده جد إخطاري بفوزي بسيارة بي إم دبليو إكس 5، ومبلغ مائتين وخمسين ألف باوند فقط! وهو رقم لن أصل إليه لو عملت ليل نهار، ولو ادخرت راتبي كاملاً وجلست بلا أكل ولا شرب ربع قرن من الزمان، وفي رسالته الطويلة التي حسم فيها فوزي، وتخطّاه بأن بات يتحدث عن إجراءات التسليم والزمان والمكان، وما يتوجب علي فعله قبل اتخاذ أي إجراء لتسلم “الكنز”.
مثل هذه الرسائل يشاركني الكثيرون في تلقي مثلها، وقد وصلت للكثيرين منكم كما وصلتني، وهو ما يعني أن النصب بدأ يأخذ منحى جديداً، يسعى فيه النصابون لحيل وألاعيب مبتكرة، علينا الحذر من النصب الحديث.
إن انفتاح العالم وتواصل شرقه بغربه بكل سهولة ويسر يزيد من صعوبة السيطرة على مثل هذه الممارسات التي لا يكافحها إلا وعي أفراد المجتمع ويقظتهم وعدم الانسياق خلف الإغراءات التي يقدمها النصابون والتي يسيل لعابهم لها حتى لا يدفعون الثمن غالياً.


m.eisa@alittihad.ae