حاولت بكثير من الهدوء وسعة الصدر أن أقرأ خلال الأسبوع المنصرم ما كتب حول مسلسل يقال إنه سيعرض خلال شهر رمضان، وهو مسلسل تعاونت على إنتاجه مجموعة دول عربية، في مقدمتها سوريا، ولأنه مسلسل ذو طابع تاريخي، فقد أولت كتابته لمجموعة متخصصة في هذا المجال، إلا أن عمقه الديني استدعى فتوى دينية لإجازته، فأفتى بإجازته كل من الشيخين القرضاوي وسلمان العودة حسب ما قرأت، إنه مسلسل الحسن والحسين ومعاوية، وعلى الرغم من أن مادة المسلسل خلافية منذ السطر الأول، فقد كنت أتوقع مرجعية شيعية في إجازة العمل، إلا أنني لم أجد، ولعل في الأمر ما لا نعرفه.
في كل ما قرأت، عبر الصحف والمواقع الإلكترونية وتصريحات كبار العلماء وخطب بعض الفقهاء من الطائفة الشيعية الكريمة، أحسب أننا لا يمكننا مناقشة الأمر، انطلاقاً من قولة شهيرة للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حين سأله ابنه عبد الله عن حقيقة الخلاف بين سيدنا علي كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان، فأجاب الخليفة عمر: “تلك دماء قد طهر الله سيوفنا منها، فلا نخوض فيها بألسنتنا”، بحسب إحدى الروايات، بمعنى أنه تجنب الخوض في الفتنة حتى من باب إبداء الرأي، وهو من هو، عدلاً وعلماً وتقوى.
تابعت سيلاً ضخماً من تبادل الآراء حول العمل أولاً، وحول فتوى أحد مراجع الشيعة الفضلاء، وتكبدت مشقة قراءة عشرات التعليقات التي بدا منها أنها كانت بين مسلمين سنة وشيعة، بعضهم لديه شيء من العلم، وكثير تحركه العصبية وعاطفة الولاء لآل البيت عليهم رضوان الله تعالى، وكثير تحركهم دوافع أخرى بدت واضحة من التعليقات التي امتلأت بكلام سيئ وتهم متبادلة للأسف، هذا كله والمسلسل لم يعرض بعد، فماذا إذا عرض المسلسل في رمضان، ودماء المسلمين تتدفق في بعض البقاع، فهل يجب أن يضاف إليها وقود آخر؟
لماذا على المسلمين والعرب في خضم ثورات وأوضاع سياسية مضطربة أن يعمدوا إلى إنتاج أعمال كهذه مختلف على وقائعها وحقائقها وشخوصها منذ أربعة عشر قرناً؟ ألم يقل نبينا الكريم “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”؟ فلماذا إيقاظ الفتن الآن تحديداً؟ لقد عاشت أجيال لعقود وعقود تتعطش لمعلومة صحيحة متفق عليها في حكاية الفتنة الكبرى في تاريخ المسلمين دون جدوى، واكتفى كل فريق بما يقوله له أهله ومعلموه، فلماذا تذكر المنتجون والمخرجون والكتاب أمر الفتنة الكبرى هذه الأيام تحديدا؟
لقد اعترض الأزهر الشريف على قضية تجسيد الأنبياء وصحابة الرسول، كما اعترضت مراجع الشيعة بالمطلق على تجسيد شخصيتي الإمامين الحسن والحسين لعصمتهما لديهم، واعترض كثير من العقلاء على مبدأ إنتاج هذا النوع من الأعمال، عملاً بمبدأ درء المفاسد وجلب المصالح، ولا شك أن الخلاف واقع بين المسلمين منذ قرون، لكن السؤال ماالحكمة من زيادة الفجوة بينهم ومضاعفة حجم الخلاف؟
أخيراً، لا شك أن إعادة فحص التاريخ ونفض الغبار والأكاذيب عنه، أمر مهم لهذه الأمة تحديداً، لكن هل هذا الوقت هو الوقت المناسب؟ وهل الدراما التلفزيونية هي الطريق الأمثل؟ وهل يتم التصحيح من جانب فريق دون الآخر؟ أسئلة بانتظار إجابات منطقية، عاقلة وهادئة.


ayya-222@hotmail.com