لم نيأس من لطف الله، لكننا تعبنا من المشي الحثيث باتجاه الأكثر ظلمة في النفق العربي، الأوضاع كلها في المنطقة لا تدفع إلى منطقة الاسترخاء، مع أن هناك شعوبا وبلادا تريد أن تستريح وتلقي بأيديها وأرجلها في الماء البارد فلا نستطيع؛ لأن هناك من يجبرنا على البقاء متسمرين تحت شمس اليأس والقلق من الغد، وانتظار الأسوأ!
لبنان بانتظار فتح المغلف الأخطر في التاريخ، المغلف الذي يحوي ما يسمونه بالقرار الظني الذي سيتم من خلاله توجيه الاتهام - ظنا وليس على وجه القطع واليقين- لأطراف أو لشخص أولحزب أو لشخصيات ... بقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فيما يتحسب حزب الله لهذا الحدث الجلل بالتهديد والوعيد واستعراض العضلات في شوارع بيروت، أما الأروقة السياسية في العاصمة الأكثر توترا فتشهد حركة اجتماعات ومباحثات غير طبيعية، وأما الذي فاقم الخطر إلى مستوى الأحمر، فهو رفع السعودية يدها عن الوساطة في الشأن اللبناني، ما يطرح علامة استفهام كبيرة جدا!
في تونس أعمال السلب والنهب مستمرة وأسرة الرئيس المخلوع تفقد كل يومين فردا فيها بالموت لسبب أو لآخر، تعددت الأسباب والموت واحد، ما يستدعي للذاكرة العربية حكاية قريبة الشبه حصلت منذ سبع سنوات عجاف في العراق ولا زالت فصول إرهابها تتوالى وتتغذى من دم العراقيين المبتلين بأنواع المحن، وكأنهم في كربلاء أبدية لا نهاية لها.
في مصر الأوضاع تزداد تأزما والمواطن المصري مسحوق بأوجاع الفقر والزيادة السكانية وتفاقم البطالة وهجرة الشباب وفساد المسؤولين، فلا السينما تستطيع التخفيف عنهم وهم من اخترعها لذلك، ولا أغاني أبوالليف وشعبان عبدالرحيم قادرة على امتصاص جزء من مآسيهم وتوزيعها على هواء الوطن لتخفيف الاحتقان، وحده النيل شاهد وشهيد، وطرقات القاهرة القديمة تحكي مسيرة مدينة عبر عشرة آلاف عام من التاريخ والصبر والآلام كأنه طريق الجلجلة الذي سار عليه المسيح ذات يوم.
في فلسطين جرح ينزف دما منذ عشرات السنين، وبينما أموال العرب تهدر على كرة القدم وتشجيع المطربات وتمويل نجوم أكاديمية الفن، تموت أمهات الشهداء قهرا ويقضي الأطفال جوعا وينتهي الرجال إلى الشهادة صامتين وقابضين على ثوب الوطن مظلة وكفنا وعشقا!!
على سواحل الخليج، شعوب تمتلئ بحب الحياة والرغبة في الانطلاق للغد، تتعلم وتبني وتوظف ثرواتها لأبنائها وللإخوة العرب، لكن القلق وحسابات السياسة والمصالح لم توفر المنطقة، فها نحن ننام على سؤال ونصحو على آخر، وبالرغم من أن جرح العراق لم يلتئم بعد، فإن هناك من هو مستعد اليوم قبل الغد كي يفتح لنا جرحا آخر نغرق فيه؛ كي لا ننهض ونسير ولو مجرد خطوتين إلى الإمام.
لازلنا مسافرين في جرح غرناطة من 1492، عندما غادر الحاكم عبدالله الصغير شواطئ الأندلس باتجاه المغرب جنوبا، لازلنا لم نستوعب درس أبوعبدالله الصغير، لازلنا نسير على خطاه، نكرر خطاياه ونتباهى بحماقاتنا، صغارنا وكبارنا، وإلا فلمن يترك لبنان وحيدا مكشوفا بلا غطاء كما ترك العراق وفلسطين قبله للذين يريدون السير على أرضنا بدباباتهم وعلى أجسادنا بأحذية جنودهم كي نعيد إنتاج الحكاية مرة أخرى؟ ياالله كيف تحكم فينا الغباء لهذه الدرجة؟


ayya-222@hotmail.com