من الموجعات أن تنشطر القلوب في ولائها، فلا تعرف هل هي تحنّ لقديم ضائع أم لجديد يتشكل؟ هل تمنع قلوبها من حبها الأول للديار والأوطان التي أنبتتهم أم تغالبها على الحب والولاء الأوطان الجديدة المقترحة؟ قد لا يحزنك كثيرا ولا تتألم له أن تجد شخصاً يغني لوطنه ومنتخبه إذا ما لعب ضد الإمارات رغم عيشه فيها ومصدر رزقه بها، لكن بالتأكيد سيجرح حنجرتك الألم ان وجدت نفس الشخص يشجع فريق كوريا مثلاً ضد الإمارات، فتشعر حينها بحزن دفين، وبنكران العيش، وطيبة الناس الضائعة، فلا تدري كيف تصنفه إلا أنه شخص لا ينفع فيه الخير، ولا جدير بالمعروف، رغم أنها أشياء صغيرة وتفاصيل بالكاد أن ترى من أمور الحياة، لكنها دليل الأصالة ورد الجميل.
ومن أكثر الأمور الموجعة التي يقف الإنسان حيالها بدهشة لا تنقطع، ولا يعرف كيف يسميها، أن يخلع الواحد ثيابه التي يرتديها في الإمارات وطنه الذي يعده الثاني، وكنا نحسبه الأول عنده، ويرجع مرتدياً ثياب الوطن القديم، وصارخاً بحنجرة الوطن القديم ضد الوطن الجديد، فتقف لا تسعك الدنيا، كيف يمكن للناس أن يوزعوا الولاءات، ولاء للحنين والإرث، وولاء للمعيشة والرزق!
تبدو كرة القدم فاضحة الولاءات، ومظهرة صدق المشاعر من كذبها، أمامها يقر الإنسان بما فيه، وما ينضح منه، لا تقدر أن تخبئ رأسك بين الرؤوس، وتعتقد أن لا أحد يراك، ولا تقدر أن تماري أو تتماهى في جو تشعر أنه خانق لوطنيتك.
الغريب أن إحدى إذاعاتنا الوطنية مغيبة الهوية، بعد انتهاء مباراة الإمارات والعراق، والجماهير خارجة بحزنها وحسرتها على المنتخب وعلى الكرة التي تسللت لشباكنا في اللحظة الأخيرة، تقوم وتبث أغاني عراقية حماسية، “ولو ما عليش.. خذونا بشوية حلم” صحيح أننا عرب ونحب كل العرب، والمنتخب العراقي عزيز علينا، لكن هناك مشاعر، وهناك حسابات وطنية، وهناك امتصاص حزن جماهير غفيرة، واتصالات كثيرة من أهل الدار تريد أن تعرف من إذاعتنا الوطنية عن مبدأ الحيادية المطلق والروح الرياضية العالية التي حلّت على إذاعتنا، متسائلة لو كانت الإمارات هزمت العراق، هل ستقوم الإذاعات العراقية ببث أغان عبر الأثير تمجد في منتخب الإمارات وتزيد من حماسته وحماسة جماهيره، وتغيظ الجماهير العراقية، وتزيد من حزنهم وخسارتهم!
قد يكون الموضوع صغيرا في طرحه، ولكنه عميق في أثره وتأثيره، لأنه يخص الولاء، والولاء لا يشترى ولا يباع، ومتى ما زرع في النفوس منذ صغرها شبّت وشابت عليه، ولكم الأمر في هذا، فما نحن إلا منبهون فقط، ومعلقو الأجراس فقط، فمكان برشلونة في العنوان أو الشعار الذي يرفع مثله الكثير، يستطيع كل واحد أن يضع البديل الذي يحب! فمن يراقب؟


amood8@yahoo.com