من أشد الأشياء إيلاماً للمرء إخراجه من أرضه، أرض مولده وطفولته، ومرابع فتوّته، ومغاني شبابه، حيث عاش فيها، وتنسّم هواءها..»والله إنكِ لأحبُّ البقاع إلى الله وإنك لأحب البقاع إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» بهذا القسم العظيم المفعم بالمشاعر والمحبة للوطن والمخاطبة المتضمنة لتبرير الخروج ودّع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة المكرمة حين خرج منها مهاجراً مكرهاً غير راغب، معلنا بذلك أن حب الوطن يختلج في الوجدان ويقترن بالذكريات. وُجّه له من الكلام الجارح، ما لا يتحمله إنسان، ونُكّل به من التنكيل ما تخرّ له الجبال الراسيات، ولكنه الإيمان الذي يملأ قلب خير أهل الأرض، والنبوّة وشرفها، وهو صاحب الخلق العظيم، أُخرِجَ طريداً مع رفيقه وصدّيقه، بعد رحلة المواساة من ربه الإسراء والمعراج، وبعد تكذيبه من أهله أهل مكة، واشتداد الحصار والأذى عليه ورفاقه، ليكون يوم الهجرة هذا تاريخاً فاصلاً بين الحق والباطل، ليعود إليها الطريد الشريد «صلى الله عليه وسلم» فاتحاً رحيماً « اذهبوا فأنتم الطلقاء.. الهجرة، في معناها الواسع الانتقال من الباطل إلى الحق.. ولغةً الهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الخروج من أرض إِلى أرض. والمُهاجِرُونَ: الذين ذهبوا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، مشتق منه. وسمي المهاجرون مهاجرين لأَنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها لله، ولَحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إِلى المدينة؛ فكل من فارق بلده من بَدَوِيٍّ أو حَضَرِيٍّ أو سكن بلداً آخر، فهو مُهاجِرٌ، والاسم منه الهِجْرة. قال الله عز وجل: «ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأَرض مُراغَماً كثيراً وسَعَةً». وكل من أقام من البوادي بِمَنادِيهم ومَحاضرهم في القَيْظِ ولم يَلْحَقُوا بالنبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يتحوّلوا إِلى بلاد المسلمين التي أُحدثت في الإِسلام وإن كانوا مسلمين، فهم غير مهاجرين، وليس لهم في الفَيْءِ نصيب ويُسَمَّوْنَ الأعراب. الهِجْرَتانِ هِجْرَةٌ إِلى الحبشة وهجرة إِلى المدينة. الهجر يدل على معنيين أحدهما قطيعةٍ وقَطْع، والآخر شَدِّ شيءٍ ورَبْطِه. فالأوّل الهَجْر: ضِدُّ الوصل. وكذلك الهِجْران، وهاجَرَ القوم من دار إلى دار: تركوا الأولى للثانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكة إلى المدينة. والهَجْر والهَجِير والهاجِرَة: نصفُ النّهارِ عند اشتداد الحرّ. وهَجَّرُوا سارُوا في ذلك الوقت. وسمِّيت هاجرةً لأنَّ الناس يَسْتَكِنُّون في بيوتهم، كأنّهم قد تَهاجَروا. والهَجِير: يَبيس النَّبْتِ الذي كَسرته الماشية، وسمِّي لأن الراعِيَ يهجره. قال: ولم يَبْـقَ بالخَلصـــاءِ مِمَّا عَنـــَتْ من النَّبْــتِ إلاّ يَُبْســُها وهَجِيرُها ومن الباب الهُجْر: الهَذَيان. يقال هَجَرَ الرّجلُ. والهُجْر الإفحاش في المَنْطِق، يقال: أهْجَرَ الرّجُل في مَنْطِقه. قال: كما جدةِ الأعراقِ قال ابنُ ضَـــرَّةٍ عليها كلامـــاً جارَ فيــه وأهْجَــرا ورماه بالهاجراتِ، وهي الفضائح، وسمِّي هذا كلُّه لأنّه من المهجور الذي لا خَيرَ فيه.. البوصيري: بهاليلُ أما بذلهــم في جهادهــم فأنفسهم والمالُ والنصحُ والحمدُ فلله صديقُ النـبيِّ الــذي لـــــه فضائــلُ لم يـدرك بعــدٍّ لها حدُّ فإِنْ يَتَخَــــلَّلْ بالعــــباءَة ِ إنــــه بذلك فـي خُلاَّتـــهِ العــلمُ الفـردُ ومنْ جَمَعَ القرآنَ فاجْتَمَعَــتْ بــه فضائلُ منه مثل ما اجتمــعَ الزبدُ ومن لم يُعَـــفَّر كَــرَّمَ الله وجهـــه جبينٌ لغــير الله منــــه ولا خــدُّ وعنـدي لكــم آل النـــبي مــودة ٌ سَلَبْتُمْ بها قلبــي وصــارَ له عِنْدُ إليك رسول الله عـــذري فإننــي بِحُبِّكَ في قَوْلِي ألِيـــــنُ وَأَشـــْتَدُّ