الإجازة الماضية كان لها مذاق خاص، ومتعة لاتضاهيها متعة، بالرغم من أنني لست من عشاق الإجازات التي تعرقل سير العديد من الأعمال غير القابلة للتأجيل، ولو سمعني أقول ذلك شخص لايعرفني لقال عني أنني من المضاربين بالبورصات العالمية، أو صاحب شركات تعمل على مدار الساعة.. ولكن سببي الرئيسي حب النشاط والعمل وتنظيم الوقت ليس إلا.. والشعور الدائم بالجديد المتجدد.. والمهم أن الجميع تمتع بالإجازة فهي فرحة لا توصف، خاصة نحن الإماراتيين، ففرحتنا باليوم الوطني لوطننا الغالي أمر لا نستطيع أن نوصفه أو نعبر عنه بالمقالات والكتابات وغيرها، وإنما تعبيرنا عنه بإخلاصنا وتفانينا في أعمالنا.. فالحرس القديم كانت غمرتهم الفرحة والسعادة بالمناسبة التي عاصروها وعاشوها خلال وقت تأسيسها وتطور مراحلها، أما الحرس الجديد فهم دائماً فخورون وسعداء بالتجربة الوحدوية التي أبهرت العالم، والمكانة العالمية التي وصلت إليها الدولة بفضل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- الجميع كانوا يتبادلون التهاني والتبريكات بالمناسبة الغالية على قلوبنا جميعا.. ولفت انتباهي خلال الإجازة الماضية طريقة الاحتفالات غير الرسمية التي نظمها عدد من الشباب بمسيرة السيارات غير المنظمة والعشوائية إلى حد كبير، والتي استخدموا فيها عدداً من المزامير المصدرة للأصوات المزعجة، بالإضافة إلى بعض الأدوات التي تستخدم كمفرقعات في الشوارع وقت استعراض السيارات والمهارات التي قام بها الشبان.. وقد رأيت الاحتفالات الشعبية والكرنفالات والمسيرات في عدد من الدول فلم تتجاوز حدودها، ولم تزحم الطرقات، ولم تقم بسد الشوارع ومنع حركة السير فيها، بل كانت احتفالاتهم أكثر تنظيما واعتمدت على تنظيم رقصات تمثل ثقافتهم وتراثهم، بالإضافة إلى تحركات بطرق لم تضايق الآخرين، حيث كان بإمكان الجمهور الوقوف والاستمتاع بالمسيرات التي تنظمها تلك المجتمعات، أما عندنا نحن فلا نستطيع الوقوف، أو الدخول في الطريق الذي يعج بمئات السيارات وصاخب بأصوات السيارات، وإذا أوقفتك الزحمة غصباً عنك ولبثت بضع دقايق فلن تجد إلا «علبة كولا» ضاربة في رأسك أو سيارتك حتى وإن كنت في حال سبيلك.. كنت في مدينة العين وجمعتني صدفة بأحد السياح الذي أبدى انطباعاً جيداً عن التطور والتقدم في الخدمات والمرافق، وسألني عن أسباب زحمة السير الموجودة في الشوارع فأخبرته متفاخراً بأنها مناسبة غالية على الجميع، إنه العيد الوطني للاتحاد، فبدأت ملامح الاستغراب وعدم الرضا ترتسم على وجهه، متعجبا وهو يقول: مناسبتكم الوطنية تجعلكم ترمون مخلفات في طرقاتكم، وتخالفون نظم سير المرور، وتفحطون بسياراتكم على الشوارع، وتسيرون عكس الطريق.. نعم هذه هي مسيراتنا، فإنها جملة من المخالفات المرورية التي ينفذها الشباب وتشعرك وكأنهم وجدوا ضالتهم في ذلك، أو لم يجدوا ما يعبروا به عن فرحتهم إلا بالإزعاج والتفحيط، والسير عكس الطريق، ورمي المخلفات في الطريق.. فلماذا لا تكون هناك جمعيات أو مؤسسات مسؤولة عن تنظيم الاحتفالات والتعبير عن الأفراح الشعبية في الشوارع والميادين العامة، بأسلوب منظم وفعال يعكس ثقافتنا وتراثنا الأصيل بعيدا عن المخالفات المرورية ومضايقة وإزعاج الآخرين.