في العام الثاني من تسعينيات القرن الماضي، كنت مع ثلة من الصحفيين والمصورين الغربيين، تجمعنا في قاعدة عسكرية بمدينة مومباسا الكينية، بانتظار أن تقلنا طائرة تابعة لبحرية الولايات المتحدة من طراز هركوليس إلى مدينة بيداوا الصومالية التي أطلق عليها في ذلك الوقت مدينة الموت جراء المجاعة الأولى التي فتكت بمئات الصوماليين في منطقة كانت تعد من أخصب مناطق دلتا الصومال التي يجري فيها نهران وتتمدد على ما لا يقل عن 3500 كيلومتر من الشواطئ، مما جعلها الأطول في العالم العربي.
كنت الصحفي العربي الوحيد من بين المجموعة التي لم تتجاوز العشرة أعلاميين عندما طلب منا الضابط الأميركي التوقيع على تعهد بأننا نقوم بالرحلة على مسؤوليتنا الشخصية لأن الطائرة التي ستهبط في ممر ترابي لأنزال أغذية ستقلع وتتركنا اذا ما جرى إطلاق نار .
وكان ذلك قبل إطلاق عملية “ إعادة الأمل” التي قادتها الولايات المتحدة. وافقنا على التعهد، واكتفى المسلحون الصوماليون في تلك المنطقة بتقاضي 50 دولاراً عن كل منا مقابل أخذنا لعمدة المدينة، وقد كان رجلا مكتنز الجسم يرتدي نظارات “بريسول”، قال إنه لحرصه” على وقتنا الثمين وحتى لا تفوتنا الطائرة قام بجلب عينة من جياع يحتضرون لتصويرهم”، وهنا أجهشت بالبكاء مصورة لإحدى الشبكات التلفزيونية الإخبارية الألمانية لهول المنظر الذي أمامنا”.
تذكرت تلك المشاهد بينما يستيقظ العالم فجأة على مناشدات ماري روبنسون رئيسة إيرلندا السابقة والمفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والعبرات والدموع تخنق صوتها، وهي تتسول حركة “الشباب” الصومالية المتمردة على عدم عرقلة وصول مساعدات الإغاثة الدولية إلى الصوماليين الذين يواجهون المجاعة في المناطق التي يسيطرون عليها.
وقد كانت روبنسون في زيارة لمعسكرات اللاجئين الصوماليين، في زيارة تعد الثانية لها بعد زيارتها الأولى في تسعينيات القرن الماضي. وعبرت عن قلق المجتمع الدولي من تداعيات موجة الجفاف الحادة التي تجتاح شرق إفريقيا وتؤثر على أكثر من عشرة ملايين شخص. وفي الصومال التي أعلنت المنظمة الدولية رسمياً أجزاء في جنوب البلاد كمناطق مجاعة بفعل أسوأ موجة جفاف منذ 60 عاماً تقريباً تجتاح منطقة القرن الأفريقي، ويزيد من معاناة وبؤس أهلها القتال والصراعات الدائرة هناك. وحيث يقدر برنامج الغذاء العالمي وجود أكثر من11.3 مليون إنسان في حاجة ماسة إلى الغذاء في تلك المناطق المتضررة من شرق أفريقيا.
ويثير توافد المسؤولين الغربيين ومسؤولي المنظمات الدولية الى المناطق المتضررة تساؤلات كبيرة حول غياب الجامعة العربية ومسؤوليها عن المشهد، الذي شغلهم عنه حالات الربيع والخريف التي تتجاذب الشارع العربي. وهي صورة من صور تجاهل الجامعة لدورها تجاه دولة عضو فيها، ولم تعد صورتها ترتبط سوى بالجماعات المسلحة والقراصنة والمجاعات والأوبئة.
لقد كانت دول الخليج العربية وفي مقدمتها الإمارات في طليعة الدول التي بادرت للقيام بواجباتها الإنسانية تجاه الصومال وما يجري فيه. وحان الوقت لبقية الدول العربية والجامعة التي تضمها لنجدة الأشقاء هناك، من براثن الجوع والفاقة.


ali.alamodi@admedia.ae