نودع اليوم سنتنا الهجرية 1431 لتبدأ غداً سنة جديدة، عام مضى من عمرنا الهجري القمري، وبعد أقل من ثلاثين يوماً، سنودع العام الميلادي كذلك. سنة تغادر وأخرى تجيء محملة بالأمل وتحقيق الأماني إن شاء الله. كل عام في مثل هذه الأيام تتعالى الدعوات لمحاسبة الذات والرجوع إلى النفس، يطلب الكثيرون منا محاسبة أنفسنا على ما أخفقنا في إنجازه قبل أن يسألوننا عن ما نجحنا فيه، ميزة يتشارك فيها البشر جميعاً، البحث عن التقصير والمحاسبة عليه، والنظر إلى الإنجاز وكأنه أقل مما حققنا. لو سألني أحد عن ما حققت خلال عامي الماضي، فسأجيب بلا شيء، لم أخترع أي اختراع، ولم أحصد جائزة، ولم أفز بمنصب رفيع، لا شيء مما يعتبره الآخرون إنجازاً مهماً، لكني كنت سعيدة، لم أحزن بعمق، معظم أيامي كانت مفرحة. كنت أنام كل ليلة راضية عن ذاتي، لم أخلق عداوة مع أحد ولم أبك لفقدان أحد. ألا يكفي هذا ليكون عامي الماضي سعيداً؟ أنظروا إلى ذواتكم هكذا: بإيجابية، ابحثوا عن الحزن، إن لم تجدوه كثير الوجود في أيامكم الماضية، ولم تجدوا الظلم يسيطر على أحاسيسكم، ولم يزركم القهر كثيراً، فأنتم إذن سعداء، عشتم عامكم الماضي بترف لم يعرفه الكثيرون، وهذا يكفي لتتفاءلوا بالعام المقبل. ستمضي الأعوام متتالية ما دام العمر باقياً، ستبدو نهارات «محرم» متشابهة مع أيام «ذو القعدة»، لن تختلف كثيراً سوى أن الرقم الذي يرمز للعام سيتغير. إذاً لم ينصب البعض المقاصل لأنفسهم، وكيف يبالغ آخرون بجلد ذواتهم لأنهم لم ينجزوا الإنجاز المادي الذي خططوا له قبل عام، أما يكفيهم أنهم نعموا بالكثير من راحة البال؟ في نهاية السنة، استفيدوا من تجاربكم الماضية، وابحثوا عن الدروس المختبئة بين ثنايا الأحداث التي تعرضتم لها، طوروا أفكاركم لتكون أفضل، واشحنوا أنفسكم بالكثير من الأمل، ما مضى ذهب وانتهى ولن يغير الندم شيئاً فيه، فكروا بالقادم ليكون أفضل وأجمل. تفاءلوا بالقادم، واعلموا أن الفرص تأتي بتقدير من الله عز وجل، وأن المشكلات والمعضلات تكون نقاط تحول في الحياة لا يعلمها الكثيرون. فقط واظبوا على العطاء، وابذلوا جهودكم لتحقيق أمنياتكم، وإن تأخرت لا تجزعوا فالأيام القادمة ستكون أفضل وأجمل إن شاء الله.