لا يستطيع المرء مهما أوتي من قسوة أن يتحمل مشاهد هؤلاء الجوعى من أطفال ونساء، ومهما قيل في وصف الجوع، فلن تعبر الكلمات مهما أوتيت من بلاغة عن حال أولئك الملايين الذين يتضورون جوعاً، بل يموتون على مرأى من عيون العالم المتمدن الذي يدعي التحضر والإنسانية، وهو أبعد ما يكون عنهما، فحين يسود منطق القوة ولغة المصالح، تنتفي كل القيم الإنسانية، فتحرق ملايين أطنان القمح في أماكن، أو يرمى بها في أماكن أخرى، لتحافظ مراكز القوة الاقتصادية على الأسعار، مفضلة ذلك على سد رمق جوعى بالملايين، وهي ترى هذا الجوع ينهش البطون في أفريقيا التي لم تسلم يوماً من الاستغلال، فلا تكاد تتخلص من الرق والعبودية، حتى تسقط في أيد مستغلة لا ترحم، أعمتها المصالح، لتتصرف بوحشية، مستغلة وناهبة ثروات هي حق لأولئك الجائعين. حين تمعن أيدي الاستغلال والجشع، في نهب خيرات الآخرين، سيكون الجفاف بسبب الإنسان لا بسبب الطبيعة فقط، حين تنهب الغابات لابد سيسود التصحر والجفاف، وحين تساق الشعوب إلى الحروب فيما بينها، للحفاظ على المصالح الاقتصادية للشمال على حساب الجنوب، مع اتخاذ سواتر واهية من طروحات ليست إلا للتسويق، وهي في حقيقتها ليست إلا أنياب وحوش آدمية تتقنع كل يوم بقناع جديد للإنسانية وحقوق الإنسان. ثلاثة عظماء نبي، وصديق، وشهيد، أخرجهم الجوع! فقد روى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ساعة لا يخرج فيها، ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟، فقال: خرجت ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنظر في وجهه والتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: وأنا قد وجدت بعض ذلك. الجُوع اسم للمَخْمَصةِ، وهو نَقِيضُ الشِّبَع، والفعل جاعَ يَجُوعُ جَوْعاً وجَوْعةً ومَجاعةً، فهو جائعٌ وجَوْعانُ، والمرأَة جَوْعَى، والجمع جَوْعَى وجِياعٌ وجُوَّعٌ وجُيَّعٌ.. ممدوح عدوان: قبل ركوب البحر مات طارقْ والنار جاءت في السُفُنْ فلنتمسك بالشواطئ لا بأس أن نموتْ ونحن نرفع البيارقْ ما تنفع البيارقْ حين يجيء الجوعْ؟ وحين تنصب المشانقْ ما نفع هذه الدموعْ؟ Esmaiel.Hasan@admedia.ae