عادة “تسقّط ومراقبة” أخطاء وتحركات الآخرين ظاهرة انتشرت منذ الأزل ولاتزال تنتشر بشكل فادح وفاضح، خصوصا أنها أصبحت مثل التسلية وقضاء الأوقات الممتعة مع الأشخاص المتمثلين بها، وللأسف تنطوي تحت هذه العادة خصال سيئة وقبيحة بمعنى الكلمة كالحسد، والغيبة، والنميمة، والثرثرة، وغيرها من الصفات المذمومة التي تغشي صاحبها عن عيوبه والاهتمام والانكباب على عيوب الآخرين فتكون همه وشغله الشاغل.. ولو أننا راقبنا أنفسنا وتركنا مراقبة الآخرين لكانت الأمور أفضل مما هي عليه، فهناك مراقبة مفروضة ومراقبة محمودة ومراقبة مذمومة، فالأولى هي مراقبة النفس والاعتداد بها وتهذيبها والعمل على تصحيحها وصقلها بالشكل المناسب وبالصورة التي أمرنا بها الله سبحانه وتعالى وسيدنا رسول البشرية، أما المراقبة المحمودة فهي مراعاة ومتابعة رعية الراعي سواء كانت أسرته أو موظفيه الذين يرأسهم، والسعي وراء تذليل العقبات أمامهم وإرشادهم للصواب ومراقبتهم لإبعادهم عن الخطأ وتوجيههم إلى الطريق السليم، أما المراقبة المذمومة فهي تعقب أمور الناس ومراقبتها دون إذن ودون أي وجه حق، وقد يذهب البعض إلى درجة التقاط أخطاء الآخرين وتتبع عثراتهم لاغتيابهم والتشهير بهم، ناهيك عن الفضول الذي يعتري متمثلها ويقتله. ولا أعرف أين هي المتعة واللذة التي يعيشها المراقب الذي قد يموت هماً وغماً من كثرة المراقبة، ولم يبذل كل هذا الجهد، خصوصاً أن الناس أصبحوا ـ وبأنفسهم ـ في وقتنا هذا بوجود وسائل الاتصال كالإنترنت والفيسبوك والبلاك بيري وتويتر وغيرها من وسائل الاتصال البشرية يقدمون شرحاً واسعاً ومفصلاً عن خصوصياتهم في الحياة، لاسيما بعد ظهور “البلاك بيري” الذي ساهم وبشكل كبير في متابعة الناس لبعضها، ومعرفة كيف يقضون أوقات فراغهم وأين هي وجهاتهم، الأمر الذي خلق وبشكل غير مباشر حالة من الحسد والحقد والغيرة لدى بعضنا.. كل هذه الأمور وغيرها مترابطة مع بعضها بعضاً ومتشابكة نتيجة لأسباب عدة، ولايمكن أن يقنعني أحد بأن مراقبة الناس وأفعالهم لا تجلب الحسد أو الاغتياب فكلها أمور ذات علاقة طردية ونتيجة حقيقية لابد من الإقرار بها، حتى ولو بدأت في البداية بتسلية وكلام وثرثرة فهي بالتأكيد ستنتهي في النهاية بحسد ونميمة والعياذ بالله... وكما قال الحكماء لا تراقب تصرفات الناس، لأنهم لا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة، ولا نشوراً، ولا ثواباً ولا عقاباً. Maary191@hotmail.com