مجروراً بسلاسل الرغبات، يمشي الإنسان مقيداً في يديه ورجليه وعقله. كل يوم يرفع حملاً جديداً عندما تتلهف نفسه على الأشياء، وهو لا يملك إلا التمني بالحصول عليها إلى أن تصبح هذه الأمنيات حجراً يعوق استمتاعه بالحياة. والفقير والغني يتشابهان في ألم الرغبة لكنها عند الغني أقوى؛ لأنه بقدر ما يملك بقدر ما يرى فقره للأشياء العظيمة والكبيرة، بينما الفقير قد يتألم لمشهد الخبز وقد يشعر بطعنة الجوع في الخاصرة، لكنه يتغلب على ذلك ببلة ريق وبكلمة شكر. منحنياً يلم الفتات من الأرض، يقضي البخيل يومه مستلذاً بجمع التراب الذي سيغطيه في نهاية العمر. والبخيل يولد مجبولاً على حب الجمع والمراكمة، ربما بسبب رغبة دفينة لتحدي الزمن، وليس مهما لديه أن يفوز بالمال للبناء والخير والمشاركة فهذه خصائص الكرماء. أما البخيل، فإنه يكنز ليتفرج على كنزه يكبر ويتسع. واللحظة التي يجلس فيها كل يوم أمام خزائنه، وهو يعد ويحصي السبائك والأوراق هي اللحظة العظيمة التي تتفجر فيها اللذة حتى أقصاها. ولا يمكن لأحد أن يدرك عظمة هذه اللحظة عند البخيل الذي يفضل الموت فقيراً معدماً على أن ينقص من كنزه حجر واحد أو كسرة من عملة نقدية بالية. مبطناً برغبة الانتقام، يبتسم اللئيم كلما أكرمه الناس وهو يأخذ من غير شكر ويضمر في الأعماق نية التفوق على ذاته بنكران الآخرين والكيد لهم وتحين الفرص للانقضاض عليهم. واللئيم قد يقبل يدك عندما تمدها له وقت الشدة وتخرجه من حفرة الضياع، لكنه في اللحظة المناسبة يعود ليحاول رميك في الحفرة نفسها، وإن أفلح فسوف يتباهى بعظمة خبثه ويتراقص أمامك مزهواً بانتصاره المريض غير مدرك أن الريح التي تتغذى على الحقد سوف تدفعه مرة ثانية للوقوع في الحفرة نفسها. ولا تنفع مع اللئيم عظة، وبينه وبين التطهر سبعة أنهار عليه أن يعبرها وحيداً ليغتسل من الرماد والوحل. مغلياً في نار رغبته التي لا تتحقق أبداً، هكذا يعيش الحاسد يومه متلفتاً إلى الأشياء هنا وهناك مثل المجنون، غير مدرك أن جميع الناس يسبحون في النعم الصغيرة والكبيرة لكنهم لا يملكونها. والحاسد لا يعرف كيف يقيس نعمه، ولا يقدر أن ينطق بكلمة الشكر؛ لأن لسانه مغلول إلى النبس برغبة زوال الخير عن الآخرين. والحاسد قد يفتح عينيه باتساعهما حسرة؛ لأن جاره الأعمى لديه رغيف أكبر، من غير أن يترك لنفسه تنعم وهو يرى الأشياء من حوله ويمتع ناظريه بها. منسياً في ركن الخوف محمياً بيديه من الريح والضوء. هكذا حال الجبان عندما تشتد عواصف البهجة فيخالها ألماً ويقرر أن ينأى بجلده من تبعات الفرح. والجبان هو الذي يخاف من المغامرة وهو الذي تنشل رجلاه على أول الطريق في سباق العظمة. وهو الذي يغمض عينيه كلما التقى بمرآة. محتفياً بالحياة لأنها عرسه الدائم يقفز الشاعر ليلمس الغيمة المستحيلة لن يقبل القمر وقد تحرق إصبعه الشمس لكن وجوده العظيم يكون قد تحقق حتى لو للحظة. akhozam@yahoo.com