عندما تكتظ المدينة بالنشاط، وتزدحم بالمارة راجلين أم مستقلين مركباتهم أشعر بالفرح والتفاؤل، لأن في الزحام حركة وفي الحركة بركة، وهذا ما يجعل الحياة جميلة ومليئة بأصوات الناس الذين هم أساس البقاء على الأرض. كثير من الناس يشعر بالضيق، فيكشر عن أنيابه، عندما يقف في صف الذين خرجوا من بيوتهم لأجل الحركة وتحقيق الذات وكسب قوت اليوم. كثير من الناس لا يرتاح أبداً عندما تستوقفه الإشارة الحمراء، فيظل يزفر ويتأفف ويحك صدغه وجبينه ويفتل شاربيه ويعبث بلحيته، ولا يدري أن من يتقاسمون معه الطريق هم أشخاص ذوو علاقة وطيدة بما يهمه، ففي الشارع مدرس يعلّم أبناءه، وطبيب قد يعالج مريضاً قريباً له، أو مهندس يشارك في بناء جسر أو نفق. في النهاية سيعود نفع كل هذا عليه وعلى سواه.
في الشارع موظف في البلدية ذاهب لإنجاز معاملة، أو عامل في وزارة أو دائرة أو هيئة، شريك له في تحقيق منجز من منجزات البلد. لو فكر كل إنسان وتبصر في الناس المخلدين في الشوارع سيصل إلى قناعة بأن ما يراوده من خيالات وهواجس لا أساس له من الصحة، لا يفيد بقدر ما يبيد بذور التفاؤل في نفس الإنسان، فنحن كي نعيش مدعوون للتفاؤل، وبطاقة الدعوة هي هذه النظرة الواقعية لما يجري حولنا.
البعض يصاب بالذعر عندما يرى عمالاً أوصدوا جزءاً من طريق بهدف الترميم أو الترصيف أو الإصلاح. ولا يعلم هذا الشخص أنه لولا هؤلاء لأصبحت المدن خراباً بعد عمار، وتحولت الشوارع إلى شعاب ووديان، لا يعرف أن البلاد معنية بجمال مدنها، ولذلك تصرف الملايين، بل المليارات للإبقاء على الجميل جميلاً، وللمحافظة على المنجز الحضاري الذي تتباهى به بلادنا بين الأمم. بعض الأشخاص يعيش حالة أنانية فجة، لا يفكر إلا في اللحظة التي يمر بها في الطريق، يريد كل شيء معداً ليحقق أهدافه الآنية دون عقبات، وإن اعترضه عائق ولو كان بسيطاً فإنه يستل سيف النقد، ويشهر لسان الصرخة المدوية، محتجاً مرتجاً، وتقوم قيامته ولا تقعد.
التفاؤل طريق النجاة من الهموم المدهومة، والتفاؤل باحة واسعة، هي مرتع النفس المطمئنة ومرعاها، ومن غير التفاؤل فلا حياة ولا نجاة، ولا كائن يستطيع أن يعيش من دون هذا المصل المجاني، القادر على مقاومة أي فيروس قد يهاجم النفس. نحن بحاجة الى التفاؤل وإلى حقنته اليومية لننجو من الموت السريري أينما نحل وحيثما نرتحل. نحن بحاجة إلى التفاؤل لحب الحياة كما هي، لا كما نريد.


marafea@emi.ae