تلقيت رسالة من قارئ يستغرب قيام بنك وطني بنشر إعلان عن وظائف شاغرة لديه في صحيفة وطنية، ولكن باللغة الإنجليزية، ومبعث استغرابه أن الفئة المستهدفة من الإعلان هم المواطنون، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وفوق ذلك هناك قرارات من مجلس الوزراء والمجلس التنفيذي في أبوظبي تؤكد على ضرورة اعتماد اللغة العربية في كافة المراسلات والتعاملات الرسمية.
الرجل محق في استغرابه الذي يشاركه فيه الكثيرون ممن تتملكهم الغيرة على حال اللغة الرسمية، والغربة التي تعاني منها لغة الضاد في عقر دارها، فهذه اللغة الجميلة التي أكرمها الله بإنزال كتابه المجيد بها، وصدرت اللوائح والقوانين التي تؤكد على ضرورة الاعتزاز والتمسك بها، وفي مقدمة ذلك دستور الدولة، ومع هذا تستمر مظاهر تجاهل تلك اللوائح والقرارات، لتغوص “الجميلة” في معاناة اغترابها وعلى يد الناطقين بالضاد.
وتذكرت دبلوماسيا أجنبيا حدثني عن سنوات دراسته للغتنا الجميلة، وكيف سعد عندما أوفدته بلاده للعمل هنا، ولكنه فوجئ -كما يقول- بأنه يتحدث الإنجليزية أكثر من اللغة التي درسها ليتميز في عمله.
وذات مرة أحرجني شاعر أميركي يهتم باللغات المنقرضة خلال لقاء هنا في أبوظبي بسؤال عن حاجتنا في الدولة لوجود جمعية لحماية اللغة العربية!!. وقد كان سؤال من لا يعلم بحال “الجميلة” بين أهلها. ولم تشف غليله إجابتي.
إن أول قواعد حماية اللغة وتعزيز مكانتها في التعامل اليومي يتمثل في تنفيذ قرارات مجلس الوزراء وإلزام الدوائر المحلية في أبوظبي كذلك بتطبيق مذكرة أمانة المجلس التنفيذي بهذا الشأن. والأمر ذاته مع بقية الدوائر في مختلف إمارات الدولة، لأنه من دون ذلك ستظل مسألة الاستهانة باللغة، وهي أداة ووعاء من أدوات وأوعية الهوية الوطنية لأي شعب وبلد في العالم.
كما أن هذه مناسبة لدعوة البعض للتخلص من عقدته الداخلية وشعوره بالنقص من لغته العربية الجميلة، ويرى معها أنه ربما اعتقد الآخرون أنه لم ينل نصيبه الكافي من التعليم، إن لم يجارِ القوم رطانتهم. كما أن تمسكنا بلغتنا لا يعني رفض الآخر وثقافته، كما يتصور هؤلاء أيضا. فمجتمعنا معروف بتنوعه وانفتاحه على ثقافات العالم منذ القدم، وكانت مدن الموانئ مراكز انصهرت داخلها مختلف الثقافات. وهناك فرق بين التعلم والانفتاح وبين التفريط بلغة الإنسان التي تشكل ضمن ما تشكل الشخصية الوطنية والهوية التي تميز أي شعب في العالم.
ويبدو أن بعض الجهات التي تصر على تجاهل اللغة العربية وعدم التعامل معها، بحاجة إلى قرار جديد يحمل إجراءات رادعة وملزمة لأمثالها، خاصة أن من هذه الجهات دوائر رسمية، يفترض فيها أن تكون في مقدمة من يتمسك باللغة العربية، وتعيد أي معاملة بغير اللغة الرسمية للبلاد. ومما يؤسف له، أن هذا البعض يتحجج في أحايين جمة، بأن” السيستم” لا يقبل المعاملات إلا بالإنجليزية، ويتناسون أن الكمبيوتر مجرد جهاز يبرمج بحسب لغة صاحبه. فهل تبادر كل جهة معنية بالأمر لتفعيل القرارات السابقة الخاصة باعتماد اللغة العربية أم تنتظر من يذكرها؟!.

ali.alamodi@admedia.ae