يفرح الإماراتيون بيومهم الوطني بطريقة خاصة لم تعتدها كثير من الشعوب العربية. اليوم الوطني، أو عيد الاستقلال، أو ذكرى الثورة، أو.. أو.. هو حدث رسمي بامتياز في العديد من الدول، تحييه الدولة لكي تؤكد حضورها، أو تذكّر بوجودها، أو لكي تبث الحيوية في مواثيق وبراهين الشرعية. في الإمارات، يبدو الاحتفال باليوم الوطني كحدث شعبي بالدرجة الأولى. هو حدث خاص بكل مواطن على حدة. وحدث عام يشترك به الجميع. وحدث تواصلي ما بين القيادة والشعب، وما بين المواطنين والمقيمين. وفي تفسير هذه الظاهرة تطرأ الكثير من العوامل، لعل أهمها هو أن هذه الدولة الفتية، منذ أن انطلقت قبل أربعة عقود، جعلت من نفسها صلة الوصل ما بين الأفراد والأجيال. وتلك هي طبيعة العقد الاجتماعي الذي تنشأ على أساسه الدول. لكن دولة الإمارات أضافت بعدا خاصا لهذا التعريف، وهو إن كل مواطن سواء تجاوز عمره 39 سنة، أو ما زال دون هذه السن، يعتبر أن دولة الاتحاد هي إنجازه الخاص. ولا شك أن الجميع يتفقون على أن القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، هو صاحب الفضل الأول في إرساء “شعبية الدولة” على هذا النحو، ثم جاء التطور المؤسساتي اللاحق لكي يجعل من القبول والالتفاف الشعبي عنصرا تكوينيا في بنية الوطن. ولهذا السبب بالذات تجنّبت دولة الإمارات العربية المتحدة التحديات التي ألمت بنماذج الدولة الوطنية في الساحة العربية. فالناظر إلى الخريطة العربية، في راهنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، سوف يتلمس عوامل السوء التي تعصف بالدولة الوطنية، في مشارق الأرض العربية ومغاربها. ويسهل على كثير من المحللين تحميل تلك المساوئ إلى المرحلة الاستعمارية السابقة، وهو تحليل صحيح في مبتدأ الأمر، ولكنه تحليل جزافي في منتهاه. فالاستعماريون زرعوا استعصاءات لا يمكن نكرانها، لكن الاستقلاليين لم يكونوا أقل منهم افتئاتا على المنجز الوطني بافتعال استعصاءات رديفة تكاد تصبح أزمات كيانية. النموذج الإماراتي يقف، بهذا المعنى، وحيدا في دلالاته. فهو الصياغة العربية العصرية الناجحة للدولة الموحّدة، الراعية، الناظمة، الفاعلة، المبادرة، القائدة، والمستقبلية. ولا تنحصر مفاعيل تلك الدلالات، في الإمارات السبع وبين مواطنيها والمقيمين فيها فحسب، بل تتعداها إلى العرب الحالمين بدولة تستوعب طاقاتهم وأحلامهم. وبهذا المعنى، أيضا، فإن النموذج الإماراتي هو نموذج استقطابي، لأشواق الناس وتطلعاتهم في المنطقة العربية وربما أبعد. وقد تعوّد الناس، في المجتمعات القلقة أو المقلقلة، أن يتشوّقوا بأحلامهم عبر البحار أو إلى خارج الحدود. مرة بجاذب ديني، ومرة بدافع آيديولوجي. أحيانا بسعي إلى الحرية، ودائما بحثا عن حياة مستقرة كريمة. ونعرف، من خلال استقراءات تاريخية وأدبية، لشعوب كثيرة لاتينية وأوروبية وأفريقية وآسيوية وشرق أوسطية، أن هجرات فردية وجماعية كثيرة حدثت خلال القرنين الماضيين، كان محركها الأساسي ما يسمى “الحلم الأميركي”. الآن، وهنا، يتجمّل النموذج الإماراتي بعناصر نجاح كثيرة: في بنية الدولة، ودورها، وفي معايير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والعملية.. الحضارية والمدنية.. التراثية والعصرية.. ما يجعله محط أنظار المتشوّقين إلى مثل هذه الحياة. والأمل أن يتحوّل هذا النموذج الناجح من كونه مرصدا استقطابيا إلى محرّك يبث عدوى النجاح في من يتطلعون إليه...