تذكرت لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة ذكرى عبدالحكيم قاسم وأقاموا مؤتمراً ليوم واحد لتدارس أعماله، وتذكير الجيل الجديد به، بعد أن مضت على وفاته سنوات عديدة، ولم يعد يتذكره أحد، مع أنه كان في طليعة من يطلق عليهم جيل الستينات، وقد أسعدني الحضور ولقاء كل أصدقاء عبدالحكيم قاسم الذين هم أصدقائي وأبناء جيلي، وتذكرنا حضور عبدالحكيم الناصع في الستينات مع صنع الله إبراهيم وكمال القلش، وكان الثلاثة أصدقاء معتقلات عبدالناصر في الفترة من 1959 إلى 1964، وهي الفترة التي قضاها اليسار المصري في المعتقلات الناصرية. ولاشك أن هذه المعتقلات، رغم قسوتها، كانت مدارس ثقافية أنتجت عدداً من الأعمال الإبداعية الخالدة التي كتبها أصحابها في المعتقل، ولم تشهد النور إلا بعد الإفراج عنهم، والعودة إلى حياتهم العملية، وأذكر من هذه الأعمال “الشمندورة” التي كتبها النوبي محمد خليل قاسم، وكانت البداية التأسيسية لأدب النوبة ورواياتها التي ظهرت فيها أسماء كثيرة بعد بداية محمد خليل قاسم المهمة، وينطبق الأمر نفسه على عبدالحكيم قاسم الذي كتب روايته “أيام الإنسان السبعة” في المعتقل، وظل يعاود النظر فيها بعد خروجه من المعتقل إلى أن أصدرتها الهيئة العامة للكتاب سنة 1969، وبمجرد أن نشرت الرواية أحدثت ضجيجاً لافتاً، وجذبت الأذهان إلى صاحبها، وهكذا انضمت رواية “أيام الإنسان السبعة” إلى الروايات العلامات في عقد الستينات الذي سبقت فيه رواية “تلك الرائحة” لصنع الله إبراهيم إلى الظهور سنة 1966، وبعدها جاءت رواية عبدالحكيم قاسم “أيام الإنسان السبعة” سنة 1969 ومعها رواية “الحداد” ليوسف القعيد. وكانت هذه الروايات الثلاث علامات دالة على حساسية جديدة، وعلى غير شكل الكتابة الروائية مع جيل الستينات، ومن اللافت للانتباه أن هذا الجيل تدين له كتابة القصة بتحويل المنظور القصصي إلى الريف، فقد صاغ الستينيون نظرة واقعية إلى الريف، لا تفارق تحليل مجالات الوعي الريفي ومعتقداته من ناحية، فضلاً عن البعد الاجتماعي الطبقي الذي يحكم علاقاته، هكذا اختفى الريف الرومانسي الذي توقف عنده محمد حسين هيكل وحنّ إليه سنة 1913 وهي السنة التي أصدر فيها روايته، واختفى الريف المنظور إليه بعيون ماركسية كما في رائعة عبدالرحمن الشرقاوي “الأرض” التي اكتشفنا أنها مبنية على إشكالية موازية في الريف الإيطالي، سبق إليها الكاتب (الماركسي) الإيطالي سيلونه، صاحب رواية “فونتامارا” التي ترجمت في سلسلة الألف كتاب، وقد توقف تلميذي النجيب عباس التونسي على تقصي أوجه الشبه بين الروايتين، أما رواية عبدالحكيم قاسم “أيام الإنسان السبعة” فقد كانت ذات أسلوب مغاير ورؤية عالم مختلفة، أكدت حضور جيل جديد من الكتابة ونظرة جديدة إلى العالم.