كلما دعينا للمشاركة في نشاط ثقافي خارج حدود الداخل.. خارج البلاد.. يمسّنا فرح خفي، وقلق مباغت. نجمع أشياءنا القليلة في الحقيبة وقد ننسى حتى بعض الضروريات، لكن الذي لا ننساه أبداً أوراقنا التي تحمل نصوصنا التي نعتقد أنها جديدة(!) وأننا سنفاجئ بها الحضور الذي نعتقد أنه متابع ومعني بجديدنا.. وهمٌ صغير يطيب لنا أن ننسجه كي ننفض قليلاً ذلك الغبار الذي يقلق أرواحنا حين نحن في الصمت. ربما هذا ما يدفعنا، إلى ذلك الفرح القليل.. وربما رغبات خفية أخرى كأن نخرج من حدود المكان الواحد، إلى حدود الأمكنة.. من المشهد المألوف حد السأم إلى مشهد مغاير، يحمل إلينا شيئا من الدهشة التي فقدناها في استغراق المألوف وضجر التكرار.. ربما.. وربما أننا نعد أنفسنا بكشف جديد لمكان جديد وناس لم نعرفهم بعد، أو نلتقي بالأصدقاء الذين عرفنا، وافترقنا، وأقاموا في زوايا الذاكرة وعبث النسيان.. ثمة جديد نقول.. لذا نشدّ الحقيبة، ونجمع الأشياء الصغيرة والأوراق، والتوق الخفي والوهم المخاتل. ونذهب.. أمل قليل يلتمع بين فجوات القنوط. أمل أن نجد شيئاً جديداً غير ما وجدناه.. أليس الزمن متحركاً، حتى وإن كان المكان راسخاً؟ سنذهب إذاً.. لا بدافع الرغبة الجامحة، أو بدافع الشهرة، بل بدافع خفي باهت نسميه (ربما..). في الأمسيات الشعرية للمهرجانات يصطف الشعراء المشاركون في كل أمسية، جلوسا إلى الطاولة التي تحتل نصف مشهد المنصة، بينهم وبين الحضور ثمة سلالم وانحدارات. كل شاعر ينتظر دوره، وهو في تلك الحال لا ينصت إلى الشاعر الذي يقف قارئاً وراء منصة القراءة، بل يرقب انفعالات الحضور، ويرتبك. حين يقف الشاعر وراء المنصة، ترتفع قامته قليلا يشتد الرأس ويعلو.. ينتابه اضطراب خفي.. هنا امتحان الشاعر، والشعر . هنا.. يخرج الشاعر من النص، ويصبح النص وحيدا في مهب الذائقة الشعرية عند المتلقي.. وهي ليست ذوائق متباينة منتبهة كما يحلم الشاعر، فربما تكون ذائقة بقيت حبيسة الذاكرة والبلاغة العربية. وربما أن تغييرا طفيفا فرضته الحداثة، سيسمح بتذوق النص المغاير. هكذا يعتقد الشاعر قبل القراءة.. لكن أغلب الشعراء لا ينتبهون لتعابير الوجوه ليدركوا من استحسن ومن ظل تعبيره محايداً وفقاً لآداب السلوك. يأتي بعض المتلقين بمساطر جاهزة وبعضهم يدفعه الفضول لمعرفة الحديث من الشعر، وبعضهم أصدقاء أو معجبون.. يأتي بعض الشعراء مترددا وربما خجلا قليلا، وربما يقرر ما يعتقد أنه يصلح للقراءة وما لا يصلح.. إنه يعرف معايير الذائقة السائدة، فلا يجيز لنفسه أن يأتي متحديا متجاوزا. قليلون هم الشعراء الذين يأتون إلى منصة القراءة بصلابة الواثق المطمئن إلى استحسان المتلقي، ربما لأنهم يحملون تواريخ من الإبداع المنجز وقضايا المصائر الإنسانية! hamdahkhamis@yahoo.com