لا تأتي أحلام الإنسان من فراغ، وكل فرد مِنّا يحلم بحجم وضعه الاجتماعي وموقعه من الخريطة الإنسانية.. سائق التاكسي عندما يتوقف عند إشارة ضوئية ويتلفَّت يمنة ويسرة، ويقارن سيارته العتيقة الصغيرة بأخرى فارهة حديثة تملأ خانة الشارع، فإنه يحلم بسيارة مماثلة يتربع على مقعدها، وينظر إلى العالم من حوله بخيلاء وفخر.. الشخص الذي يسير في الشارع راجلاً، وينظر إلى السيارات المحلِّقة من حوله كطيور النورس، يحلم أن تصبح واحدة منها مُلكاً له في غمضة عين، ليجوب بها شوارع المدينة الجميلة متباهياً..
الموظف البسيط المنكسر على مقعد جلدي متهتك، يحلم بأن يصبح بين عشية وضحاها مثل ذاك المدير الهابط على الأرض كطاووس، ويسير من خلفه جمع من البشر يطلبون الرضا. المدير مشغول البال، منهمك الفكر، يفكر كيف تهبط عليه أمطار السماء، فيتطهر من غبنه ويصير بعد حين مديراً عاماً يتحكم بالخيوط كلها، ويصدر القرارات التي لا يُعصى لها أمر ولا تتوقف عند عقبة.. والمدير العام يقول بملء الفم والقلب، كيف أصبح وزيراً، وأنهي هذه المرحلة الشاقة، فلا ينقص ما يجعلني وزيراً غير الرضا من صاحب الكلمة الفصل.
أما عن الفقير الذي يجلس على حصير في شقة متناهية في الصغر، فإنه ينظر إلى مَنْ حوله، فيقول: لماذا لا أحظى ببيت شعبي، يتسع للعيال، ويُفرح أم العيال. والقاطن في بيت شعبي، يرفع يده إلى السماء ويقول: يارب، أن يتحول هذا البيت الشعبي إلى فيللا خاصة، أكون قد اخترت تصميمها بنفسي مع أم العيال، وسيجت غرفها وصالاتها، بأحدث الأثاث، وأتربع في الصالون، محملقاً في وجه زوجتي، التي تقوم على الفور بإعداد شاي المساء، وتقديمه بيد راضية، وقلب يرف بمشاعر الفرح لزوج وفَّر لها ما تتفاخر به بين قريناتها من الجارات، والصديقات والأخوات.. ومن يقطن الفيللا، يتطلع إلى المساحات الواسعة من البطحاء، فيقول: ماذا يمنع لو استطعت أن أقتطف منها قطعة من الأرض، أضمن بها مستقبل الصغار. ومن يحظى برزق العيال، يقول: يا ليت لو أجد قطعة أرض أخرى أبني على ظهرها مجمعاً صغيراً، وأضع على واجهته يافطة عريضة وطويلة، مكتوب عليها مجمع للإيجار.. ولا يتوقف الإنسان عن الحلم، والدائرة تتوسع، باتساع حدقة الموقع الاجتماعي، ويبقى الطموح مشرَّع الأبواب إلى أن تغمض عين الإنسان، وينتهي به المطاف إلى المكان الضيِّق المُعتم.. هنا يهمد كل شيء وتصبح الأحلام أتفه من جناح بعوضة، وأصغر حجماً من بؤرة العين.. ولكن ما دامت عجلة القطار تمشي فلابد من ضجيج الأحلام.


marafea@emi.ae